منبر سنار التعليمى |
.•:*¨`*:• السلام عليكم .•:*¨`*:• نور المنتدى بوجودكم نتشرف بتسجيلاتكم و برغباتكم انضموا الينا لا تبخلونا باقتراحتكم و ردودكم تقبلوا تحياتنا مع أحلى منتدى منتديات منبر سنار التعليمى .•:*¨`*:• الإدارة.•:*¨`*:•[center][center] |
منبر سنار التعليمى |
.•:*¨`*:• السلام عليكم .•:*¨`*:• نور المنتدى بوجودكم نتشرف بتسجيلاتكم و برغباتكم انضموا الينا لا تبخلونا باقتراحتكم و ردودكم تقبلوا تحياتنا مع أحلى منتدى منتديات منبر سنار التعليمى .•:*¨`*:• الإدارة.•:*¨`*:•[center][center] |
أهلا وسهلا بك إلى منبر سنار التعليمى. |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه. |
الرئيسية أحدث الصور التسجيل دخول |
|
|
الإثنين 17 أغسطس 2015, 8:06 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 1-الم مقدمة تفسير سورة البقرة بسم الله الرحمن الرحيم-فضائل سورة البقرة- « ذكر ما ورد في فضلها » قال الإمام أحمد « 5/26 » حدثنا عارم حدثنا معتمر عن أبيه عن رجل عن أبيه عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا واستخرجت « الله لا إله إلا هو الحي القيوم » من تحت العرش فوصلت بها أو فوصلت بسورة البقرة ويس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له واقرؤوها على موتاكم انفرد به أحمد وقد رواه أحمد أيضا « 5/26 » عن عارم عن عبد الله بن المبارك عن سليمان التيمي عن أبي عثمان وليس بالنهدي عن أبيه عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤها على موتاكم يعني يس فقد بينا بهذا الإسناد معرفة المبهم في الرواية الأولى وقد أخرج هذا الحديث على هذه الصفة في الرواية الثانية أبو داود « 3121 » والنسائي « عمل 1074 » وابن ماجه « 1448 » وقد روى الترمذي « 2878 » من حديث حكيم بن جبير وفيه ضعف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شيء سنام وإن سنام القرآن البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي وفي مسند أحمد « 284/2 » وصحيح مسلم « 780 » والترمذي « 2877 » والنسائي « قرآن 40 » من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجعلوا بيوتكم قبورا فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان وقال الترمذي حسن صحيح وقال أبو عبيد القاسم بن سلام « فضائل 121 » حدثني ابن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه سنان بن سعد ويقال بالعكس وثقه ابن معين واستنكر حديثه أحمد بن حنبل وغيره وقال أبو عبيد « 121 » حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال إن الشيطان يفر من البيت يسمع فيه سورة البقرة ورواه النسائي في اليوم والليلة « 964 » وأخرجه الحاكم في مستدركه « 2/260 » من حديث شعبة ثم قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن كامل حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ألفين أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى يتغنى ويدع سورة البقرة يقرؤها فإن الشيطان ينفر من البيت تقرأ فيه سورة البقرة وإن أصفر البيوت الجوف الصفر لمن كتاب الله وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة « 963 » عن محمد بن نصر عن أيوب بن سليمان به وروى الدارمي في مسنده عن ابن مسعود قال ما من بيت يقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضراط وقال إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة وإن لكل شيء لبابا وإن لباب القرآن المفصل وروى أيضا من طريق الشعبي قال قال عبد الله بن مسعود من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطانتلك الليلة أربع من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث آيات من آخرها وفى رواية لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن البقرة وإن من قرأها فى بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ومن قرأها فى بيته نهارا لم يدخله شيطان ثلاثة أيام رواه أبو القاسم الطبراني « كبير 5864 » وأبو حاتم وابن حبان فى صحيحه « 780 » وابن مردويه من حديث الأزرق بن علي حدثنا حسان بن إبراهيم حدثنا خالد بن سعيد المدني عن أبي حازم عن سهل به وعند خالد بن حبان بن سعيد المديني وقد روى الترمذي « 2876 » والنسائي « كبرى 8749 » وابن ماجه « 217 » من حديث عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن عطاء مولى أبي أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا وهم ذوو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل واحد منهم يعني ما معه من القرآن فأتى على رجل من أحدثهم سنا فقال ما معك يا فلان فقال معي كذا وكذا وسورة البقرة فقال أمعك سورة البقرة قال نعم قال اذهب فأنت أميرهم فقال رجل من أشرافهم والله ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا أني خشيت أن لا أقوم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا القرآن واقرؤه فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأ وقام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكي على مسك هذا لفظ رواية الترمذي ثم قال هذا حديث حسن ثم رواه من حديث الليث عن سعيد عن عطاء مولى أبي أحمد مرسلا فالله أعلم قال البخاري « 5018 » وقال الليث حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت فقرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه فلما أخذ رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ يابن حضير قال فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا فرفعت رأسي وانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها قال وتدري ما ذاك قال لا قال تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم وهكذا رواه الإمام العالم أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن عن عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير عن الليث به وقد روي من وجه آخر « م 796 » عن أسيد بن حضير كما تقدم والله أعلم وقد وقع نحو من هذا لثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه وذلك فما رواه أبو عبيد « 122 » حدثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم عن جرير بن زيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح قال فلعله قرأ سورة البقرة قال فسألت ثابتا فقال قرأت سورة البقرة وهذا إسناد جيد إلا أن فيه إبهاما ثم هو مرسل والله أعلم-فضائل سورتي البقرة وآل عمران- « ذكر ما ورد في فضلها مع آل عمران » قال الإمام أحمد « 5/248 » حدثنا أبو نعيم حدثنا بشير بن مهاجر حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة قال ثم سكت ساعة ثم قال تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له هل تعرفني فيقول ما أعرفك فيقول أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حلتان لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان بما كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن ثم يقال اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا وروى ابن ماجه « 3781 » من حديث بشير بن المهاجر بعضه وهذا إسناد حسن على شرط مسلم فإن بشرا هذا أخرج له مسلم ووثقه ابن معين وقال النسائي ليس به بأس إلا أن الإمام أحمد قال فيه هو منكر الحديث قد اعتبرت أحاديثه فإذا هي تأتي بالعجب وقال البخاري يخالف في بعض حديثه وقال أبو حاتمالرازي يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن عدي روى ما لا يتابع عليه وقال الدارقطني ليس بالقوي « قلت » ولكن لبعضه شواهد فمن ذلك حديث أبي أمامة الباهلي قال الإمام أحمد « 5/249 » حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرؤوا القرآن فإنه شافع لأهله يوم القيامة اقرؤوا الزهراوان البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان طير صواف يحاجان عن أهلهما يوم القيامة ثم قال اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة وقد رواه مسلم « 804 » في الصلاة من حديث معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة صدى بن عجلان الباهلي به الزهراوان المنيرتان والغياية ما أظلك من فوقك والفرق القطعة من الشيء والصواف المصطفة المتضامة والبطلة السحرة ومعنى لا تستطيعها أي لا يمكنهم حفظها وقيل لا تستطيع النفوذ في قارئها والله أعلم ومن ذلك حديث النواس بن سمعان قال الإمام أحمد « 4/183 » حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير قال سمعت النواس بن سمعان الكلابي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما ورواه مسلم « 805 » عن إسحاق بن منصور عن يزيد بن عبد ربه به والترمذي « 2883 » من حديث الوليد بن عبد الرحمن الجرشي به وقال حسن غريب وقال أبو عبيد « ص 126 » حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير قال قال حماد أحسبه عن أبي منيب عن عمه أن رجلا قرأ البقرة وآل عمران فلما قضى صلاته قال له كعب أقرأت البقرة وآل عمران قال نعم قال فوالذي نفسي بيده إن فيهما اسم الله الذي إذا دعى به استجاب قال فأخبرني به قالك لا والله لا أخبرك به ولو أخبرتك به لأوشكت أن تدعوه بدعوة أهلك فيها أنا وأنت وحدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن سليم بن عامر أنه سمع أبا أمامة يقول إن أخا لكم رأى في المنام أن الناس يسلكون في صدع جبل وعر طويل وعلى رأس الجبل شجرتان خضراوان يهتفان هل فيكم قارئ يقرأ سورة البقرة وهل فيكم قارئ يقرأ سورة آل عمران قال فإذا قال الرجل نعم دنتا منه بأعذاقهما حتى يتعلق بهما فيخطران به الجبل وحدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن أبي عمران أنه سمع أم الدرداء تقول إن رجلا ممن قرأ القرآن أغار على جار له فقتله وإنه أقيد به فقتل فما زال القرآن ينسل منه سورة سورة حتى بقيت البقرة وآل عمران جمعة ثم إن آل عمران أنسلت منه وأقامت البقرة جمعة فقيل لها « ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد » قال فخرجت كأنها السحابة العظيمة قال أبو عبيد « ص 127 » أراه يعني أنهما كانتا معه في قبره يدفعان عنه ويؤنسانه فكانتا من آخر ما بقي معه من القرآن وقال أيضا حدثنا أبو مسهر الغساني عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن يزيد بن الأسود الجرشي كان يحدث أنه من قرأ البقرة وآل عمران في يوم برئ من النفاق حتى يمسي ومن قرأهما في ليلة برئ من النفاق حتى يصبح قال فكان يقرؤهما كل يوم وليلة سوى جزئه وحدثنا يزيد عن وقاء بن إياس عن سعيد بن جبير قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة كان أو كتب من القانتين فيه انقطاع ولكن ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في ركعة واحدة-فضائل السور السبع الطوال- « ذكر ما ورد في فضل السبع الطول » قال أبو عبيد « ص 119 » حدثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي عن محمد بن شعيب عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعطيت السبع الطول مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل هذا حديث غريب وسعيد بن أبي بشير فيه لين وقد رواه أبو عبيد « ص 120 » عن عبد الله بن صالح عن الليث عن سعيد بن أبي هلال قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره واللهأعلم ثم قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن حبيب بن هند الأسلمي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أخذ السبع فهو حبر وهذا أيضا غريب وحبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي روى عنه عمرو بن أبي عمرو وعبد الله بن أبي بكرة وذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحا فالله أعلم وقد رواه الإمام أحمد « 6/72 » عن سليمان بن داود وحسين كلاهما عن إسماعيل بن جعفر به ورواه « 6/82 » أيضا عن أبي سعيد عن سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن حبيب بن هند عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر قال أحمد « 6/73 » وحدثنا حسين حدثنا ابن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال عبد الله بن أحمد وهذا أرى فيه عن أبيه عن الأعرج ولكن كذا كان في الكتاب بلا أبي فلا أدري أغفله أبي أو كذا هو مرسل وروى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وهم ذوو عدد وقدم عليهم أحدثهم سنا لحفظه سورة البقرة وقال له اذهب فأنت أميرهم وصححه الترمذي ثم قال أبو عبيد « ص 120 » حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى « ولقد آتيناك سبعا من المثاني » قال هي السبع الطول البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس قال وقال مجاهد هي السبع الطول وهكذا قال مكحول وعطية بن قيس وأبو محمد القاري شداد بن أوس ويحيى بن الحارث الذماري في تفسير الآية بذلك وفي تعدادها وإن يونس هي السابعة- « فصل » والبقرة جميعها مدنية بلا خلاف وهي من أوائل ما نزل بها لكن قوله تعالى فيه « واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله » يقال إنها آخر ما نزل من القرآن ويحتمل أن تكون منها وكذلك آيات الربا من آخر ما نزل وكان خالد بن معدان يسمي البقرة فسطاط القرآن قال بعض العلماء وهي مشتملة على ألف خبر وألف أمر وألف نهي وقال العادون آياتها مئتان وثمانون وسبع آيات وكلماتها ستة آلاف كلمة ومئة وإحدى وعشرون كلمة وحروفها خمسة وعشرون ألفا وخمس مئة حرف فالله أعلم قال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس نزلت بالمدينة سورة البقرة وقال خصيف عن مجاهد عن عبد الله بن الزبير قال نزلت بالمدينة سورة البقرة وقال الواقدي حدثني الضحاك بن عثمان عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال نزلت البقرة بالمدينة وهكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء والمفسرين ولا خلاف فيه وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن معمر حدثنا الحسن بن علي بن الوليد حدثنا خلف بن هشام وحدثنا عيسى بن ميمون عن موسى بن أنس بن مالك عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها البقرة والتي يذكر فيها آل عمران وكذا القرآن كله هذا حديث غريب لا يصح رفعه وعيسى بن ميمون هذا هو أبو سلمة الخواص وهو ضعيف الرواية لا يحتج به وقد ثبت في الصحيحين « خ 1748 م 1296 » عن ابن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة أخرجاه وروى ابن مردويه من حديث شعبة عن عقيل بن طلحة عن عتبة بن مرثد قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرا فقال يا أصحاب سورة البقرة وأظن هذا كان يوم حنين يوم ولوا مدبرين أمر العباس فناداهم يا أصحاب الشجرة يعني أهل بيعة الرضوان وفي رواية يا أصحاب سورة البقرة لينشطهم بذلك فجعلوا يقبلون من كل وجه وكذلك يوم اليمامة مع أصحاب مسيلمة جعل الصحابة يفرون لكثافة جيش بني حنيفة فجعل المهاجرون والأنصار يتنادون يا أصحاب سورة البقرة حتى فتح الله عليهم رضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين**الحروف المقطعة في أوائل بعض السور-قد أختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمهاإلى الله ولم يفسروها حكاه القرطبي في تفسيره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وقال عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم وأبو حاتم بن حبان ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقله عن سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحين « خ 891 م 880 » عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة الم السجدة وهل أتى على الإنسان وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال الم وحم والمص وص فواتح افتتح الله بها القرآن وكذا قال غيره عن مجاهد وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه أنه قال الم إسم من أسماء القرآن وهكذا قال قتادة وزيد بن أسلم ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه إسم من أسماء السور فإن كل سورة يطلق عليها إسم القرآن فإنه يبعد أن يكون المص اسما للقرآن كله لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول قرأت المص إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف لا لمجموع القرآن والله أعلم وقيل هي اسم من أسماء الله تعالى فقال الشعبي فواتح السور من أسماء الله تعالى وكذلك قال سالم بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير وقال شعبة عن السدي بلغني أن ابن عباس قال « الم » إسم من أسماء الله الأعظم هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن شعبة قال سألت السدي عن حم وطس والم فقال قال ابن عباس هي إسم الله الأعظم وقال ابن جرير وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو النعمان حدثنا شعبة عن إسماعيل السدي عن مرة الهمداني قال قال عبد الله فذكر نحوه وحكى مثله عن علي وابن عباس وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله تعالى وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة أنه قال الم قسم ورويا أيضا من حديث شريك بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس الم قال أنا الله أعلم وكذا قال سعيد بن جبير وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الم قال أما الم فهي حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله تعالى وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى الم قال هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا دارت فيها الألسن كلها ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلائه وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم قال عيسى بن مريم عليه السلام وعجب فقال وأعجب أنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون في رزقه فكيف يكفرون به فالألف مفتاح اسم الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد فالألف آلاء الله واللام لطف الله والميم مجد الله والألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون سنة هذا لفظ ابن أبي حاتم ونحوه رواه ابن جرير ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الآخر وأن الجمع ممكن فهي أسماء للسور ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور فكل حرف منها دل على اسم من اسمائه وصفة من صفاته كما افتتح سورا كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه قال ولا مانع من دلالة الحرف منها على إسم من أسماء الله وعلى صفة من صفاته وعلى مدة وغير ذلك كما ذكره الربيع بن أنس عن أبي العالية لأن الكلمة الواحدة تطلق على معان كثيرة كلفظة الأمة فانها تطلق ويراد به الدين كقوله تعالى « إنا وجدنا آباءنا على أمة » وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله كقوله تعالى « إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين » وتطلق ويراد بها الجماعة كقوله تعالى « وجد عليه أمة من الناس يسقون » وقوله تعالى « ولقد بعثنا في كل أمة رسولا » وتطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله تعالى « وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة » أي بعد حين على أصح القولين قال فكذلك هذا حاصل كلامه موجها ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية فإن أبا العالية زعم ان الحرف دل على هذا وعلىهذا وعلى هذا معا ولفظة الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الإصطلاح إنما دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام فأما حمله على مجموع محامله اذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأصول ليس هذا موضع البحث فيها والله أعلم ثم ان لفظة الأمة تدل على كل من معانيها في سياق الكلام بدلالة الوضع فأما دلالة الحرف الواحد على إسم يمكن ان يدل على إسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخر في التقدير أو الاضمار بوضع ولا بغيره فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف والمسألة مختلف فيها وليس فيها إجماع حتى يحكم به وما أنشدوه من الشواهد على صحة اطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا كما قال الشاعر-قلنا لها قفي فقالت قاف لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف-تعني وقفت وقال الآخر-ما للظليم عال كيف لا ي نقد عنه جلده إذا ي-فقال ابن جرير كأنه أراد أن يقول إذا يفعل كذا وكذا فاكتفى بالياء من يفعل وقال الآخر-بالخير خيرات وإن شرا ف ولا أريد الشر إلا أن ت-يقول وان شرا فشر ولا أريد الشر إلا أن تشاء فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن بقيتهما ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام والله أعلم قال القرطبي وفي الحديث من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة الحديث قال سفيان هو أن يقول في اقتل أق وقال خصيف عن مجاهد إنه قال فواتح السور كلها « ق » و « ص » و « حم » و « طسم » و « الر » وغير ذلك هجاء موضوع وقال بعض أهل العربية هي حروف من حروف المعجم استغنى بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفا كما يقول القائل ابني يكتب في ا ب ت ث أي في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغنى بذكر بعضها عن مجموعها حكاه ابن جرير قلت مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا وهي ا ل م ص ر ك ه ي ع ط س ح ق ن يجمعها قولك نص حكيم قاطع له سر وهي نصف الحروف عددا والمذكور منها أشرف من المتروك وبيان ذلك من صناعة التصريف قال الزمخشري وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمهجورة ومن الرخوة والشديدة ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقة وقد سردها مفصلة ثم قال فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله ومن ههنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلاما فقال لا شكأن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى ومن قال من الجهلة ان في القرآن ماهو تعبد لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأ كبيرا فتعين أن لها معنى في نفس الأمر فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به وإلا وقفنا حيث وقفنا وقلنا « آمنا به كل من عند ربنا » ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين وإنما اختلفوا فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه وإلا فالوقف حتى يتبين هذا مقام المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي مع مقطع النظر عن معانيها في أنفسها فقال بعضهم إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور حكاه ابن جرير وهذا ضعيف لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه وفيما ذكرت فيه البسملة تلاوة وكتابة وقال آخرون بل ابتدئ بها لتفتح لإستماعها أسماع المشركين إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن حتى إذا استمعوا له تلا عليهم المؤلف منه حكاه ابن جرير أيضا وهو ضعيف أيضا لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها بل غالبها ليس كذلك ولو كان كذلك أيضا لا ينبغي الإبتداء بها في أوائل الكلام معهم سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرةوآل عمران مدنيتان ليستا خطابا للمشركين فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه وقال آخرون بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا وقرره الزمخشري في كشافه ونصره أتم نصر وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية قال الزمخشري ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة وكرر التحدي بالصريح في أماكن قال وجاء منها على حرف واحد كقوله ص ن ق وحرفين مثل « حم » وثلاثة مثل « الم » وأربعة مثل « المر » و « المص » وخمسة مثل « كهعيص » و « حمعسق » لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات ماهو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك « قلت » ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الإنتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته وهذا معلوم بالإستقراء وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ولهذا يقول تعالى « الم ذلك الكتاب لا ريب فيه » « الم الله لاإله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه » « المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه » « الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم » « الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين » « حم تنزيل من الرحمن الرحيم » « حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم » وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ماليس له وطار في غير مطاره وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة « الم ذلك الكتاب لا ريب فيه » فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه « الم ذلك الكتاب لا ريب فيه » فقال أنت سمعته قال نعم قال فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك « الم ذلك الكتاب » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى فقالوا جاءك بهذا جبريل من عند الله فقال نعم قالوا لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك فقام حيي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال لهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد هل مع هذا غيره فقال نعم قال ماذاك قال المص قال هذا أثقل وأطول الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وثلاثون ومئة سنة هل مع هذا يامحمد غيره قال نعم قال ماذاك قال الر قال هذا أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مئتان فهذه إحدى وثلاثون ومئتا سنة فهل مع هذا يامحمد غيره قال نعم قال ماذا قال المر قال هذا أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مئتان فهذه إحدى وسبعون ومئتان ثم قال لقد لبس علينا أمرك يامحمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ثم قال قوموا عنه ثم قال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون واحدى وثلاثون ومئة وإحدى وثلاثون ومئتان وإحدى وسبعون ومئتان فذلك سبعمئة وأربع سنين فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون ان هؤلاء الآيات نزلت فيهم « هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات » فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي وهو ممن لا يحتج بما انفرد به ثمكان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها وذلك يبلغ منه جملة كثيرة وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم والله أعلم
| ||||||||||||||||
الإثنين 17 أغسطس 2015, 8:25 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 2-ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ قال ابن جريج قال ابن عباس « ذلك الكتاب » أي هذا الكتاب وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم وابن جريج أن ذلك بمعنى هذا والعرب تعارض بين اسمي الإشارة فيستعملون كلا منهما مكان الآخر وهذا معروف في كلامهم وقد حكاه البخاري عن معمر بن المثنى عن أبي عبيدة وقال الزمخشري ذلك إشارة إلى « الم » كما قال تعالى « لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك » وقال تعالى « ذلكم حكم الله يحكم بينكم » وقال « ذلكم الله » وأمثال ذلك مما أشير به إلى ما تقدم ذكره والله أعلم وقد ذهب بعض المفسرين فيما حكاه القرطبي وغيره أن ذلك إشارة إلى القرآن الذي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بإنزاله عليه أو التوراة أو الإنجيل أو نحو ذلك في أقوال عشرة وقد ضعف هذا المذهب كثيرون والله أعلم و « الكتاب » القرآن ومن قال إن المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والانجيل كما حكاه ابن جرير وغيره فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وتكلف ما لا علم له به والريب الشك قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا ريب فيه » لاشك فيه وقال أبو الدرداء وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء وأبو العالية والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان والسدي وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد وقال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذا خلافا وقد يستعمل الريب في التهمة قال جميل-بثينة قالت ياجميل أربتني فقلت كلانا يابثين مريب-واستعمل أيضا في الحاجة كما قال بعضهم-قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجممنا السيوفا-ومعنى الكلام هنا أن هذا الكتاب هو القرآن لا شك فيه أنه نزل من عند الله كما قال تعالى في السجدة « الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين » وقال بعضهم هذا خبر ومعناه النهي أي لا ترتابوا فيه ومن القراء من يقف على قوله تعالى « لا ريب » ويبتدئ بقوله تعالى « فيه هدى للمتقين » والوقف على قوله تعالى « لا ريب فيه » أولى للآية التي ذكرناها ولأنه يصير قوله تعالى « هدى » صفة للقرآن وذلك أبلغ من كون فيه هدى وهدى يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعا على النعت ومنصوبا على الحال وخصت الهداية للمتقين كما قال « قلهو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد » « وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا » إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن لأنه هو في نفسه هدى ولكن لا يناله إلا الأبرار كما قال تعالى « يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين » وقد قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم « هدى للمتقين » يعني نورا للمتقين وقال الشعبلي هدى من الضلالة وقال سعيد بن جبير تبيان للمتقين وكل ذلك صحيح وقد قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم « هدى للمتقين » قال هم المؤمنون وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرن أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « للمتقين » أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به وقال أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس قال هدى للمتقين قال هم المؤمنون الذين يتقون الشرك بي ويعملون بطاعتي وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « للمتقين » قال الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به وقال سفيان الثوري عن رجل عن الحسن البصري قوله تعالى للمتقين قال اتقوا ماحرم الله عليهم وأدوا ما افترض عليهم وقال أبو بكر بن عياش سألني الأعمش عن المتقين قال فأجبته فقال لي سل عنها الكلبي فسألته فقال الذين يجتنبون كبائر الاثم قال فرجعت إلى الأعمش فقال يرى أنه كذلك ولم ينكره وقال قتادة للمتقين هم الذين نعتهم الله بقوله « الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة » الآية والتي بعدها واختار ابن جرير أن الآية تعم ذلك كله وهو كما قال وقد روى الترمذي « 2451 » وابن ماجه « 4215 » من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل عن عبد الله بن يزيد عن ربيعة بن يزيد وعطية بن قيس عن عطية السعدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لابأس به حذرا مما به بأس ثم قال الترمذي حسن غريب وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن عمران حدثنا إسحاق بن سليمان يعني الرازي عن المغيرة بن مسلم عن ميمون أبي حمزة قال كنت جالسا عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل قال بلى سمعته يقول يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد فينادي مناد أين المتقون فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر قلت من المتقون قال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة فيمرون إلى الجنة ويطلق الهدى ويراد به ما يقر في القلب من الإيمان وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله عز وجل قال الله تعالى « إنك لا تهدي من أحببت » وقال « ليس عليك هداهم » وقال « من يضلل الله فلا هادي له » وقال « من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا » إلى غير ذلك من الآيات ويطلق ويراد به بيان الحق وتوضيحه والدلالة عليه والارشاد إليه قال الله تعالى « وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم » وقال « إنما أنت منذر ولكل قوم هاد » وقال تعالى « وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى » وقال « وهديناه النجدين » على تفسير من قال المراد بهما الخير والشر وهو الأرجح والله أعلم وأصل التقوى التوقي مما يكره لأن أصلها وقوى من الوقاية قال النابغة-سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد-وقال الآخر-فألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم-وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له أما سلكت طريقا ذا شوك قال بلى قال فما عملت قال شمرت واجتهدت قال فذلك التقوى وقد أخذا هذا المعنى ابن المعتز فقال-خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى**واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى**لاتحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى-وأنشد أبو الدرداء يوما-يريد المرء أن يؤتى مناه ويأبى الله إلا ما أرادا**يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما أستفادا-وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرا من زوجة صالحة إن نظر إليها سرته وإن أمرها أطاعته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله
| ||||||||||||||||
الإثنين 17 أغسطس 2015, 8:26 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 3-الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ قال أبو جعفر الرازي عن العلاء بن المسيب بن رافع عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال الإيمان التصديق وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما يؤمنون يصدقون وقال معمر عن الزهري الإيمان العمل وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس يؤمنون يخشون قال ابن جرير والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولا واعتقادا وعملا وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل والإيمان كلمة جامعة للإيمان بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل « قلت » أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك كما قال تعالى « يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين » وكما قال إخوة يوسف لأبيهم « وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين » وكذلك إذا استعمل مقرونا مع الأعمال كقوله تعالى « إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات » فأما إذا استعمل مطلقا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدةوغير واحد إجماعا أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة ومنهم من فسره بالخشية كقوله تعالى « إن الذين يخشون ربهم بالغيب » وقوله « من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب » والخشية خلاصة الإيمان والعلم كما قال تعالى « إنما يخشى الله من عباده العلماء » وقال بعضهم يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة وليسوا كما قال تعالى عن المنافقين « وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون » وقال « إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون » فعلى هذا يكون قوله بالغيب حالا أي في حال كونهم غيبا عن الناس وأما الغيب المراد ههنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى « يؤمنون بالغيب » قال يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث فهذا غيب كله وكذا قال قتادة بن دعامة وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بالغيب قال بما جاء منه يعني من الله تعالى وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر قال « الغيب » القرآن وقال عطاء بن أبي رباح من آمن بالله فقد آمن بالغيب وقال إسماعيل بن أبي خالد يؤمنون بالغيب قال بغيب الإسلام وقال زيد بن أسلم الذين يؤمنون بالغيب قال بالقدر فكل هذه متقاربة في معنى واحد لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به وقال سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقونا به فقال عبد الله إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بينا لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانا أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ « الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب » إلى قوله « المفلحون » وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في مستدركه « 2/260 » من طرق عن الأعمش به وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وفي معنى هذا الحديث الذي رواه أحمد « 4/106 » حدثنا أبو المغيرة أخبرنا الأوزاعي حدثني أسيد بن عبد الرحمن عن خالد بن دريك عن ابن محيريز قال قلت لأبي جمعة حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم أحدثك حديث جيدا تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال يا رسول الله هل أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك قال نعم قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني طريق أخرى قال أبو بكر بن مردويه في تفسيره حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل عن عبد الله بن مسعود حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح عن صالح بن جبير قال قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس يصلي فيه ومعنا يومئذ رجاء بن حيوة رضي الله عنه فلما انصرف خرجنا نشيعه فلما أراد الإنصراف قال إن لكم جائزة وحقا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا هات رحمك الله قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة فقلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجرا آمنا بالله واتبعناك قال ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا مرتين ثم رواه من حديث ضمرة بن ربيعة عن مرزوق بن نافع عن صالح بن جبير عن أبي جمعة بنحوه وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوجادة التي اختلف فيها أهل الحديث كما قررته في أول شرح البخاري لأنه مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم اجرا من هذه الحيثية لا مطلقا وكذا الحديث الآخر الذي رواه الحسن بن عرفة العبدي حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي عن المغيرة بن قيس التميمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الخلق أعجب إليكم إيمانا قالوا الملائكة قال وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم قالوا فالنبيون قال وما لهم لا يؤمنونوالوحي ينزل عليهم قالوا فنحن قال وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانا لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيها قال أبو حاتم الرازي المغيرة بن قيس البصري منكر الحديث « قلت » ولكن قد روى أبو يعلى في مسنده « 160 » وابن مردويه في تفسيره والحاكم في مستدركه « 4/85 » من حديث محمد بن حميد وفيه ضعف عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله أو نحوه وقال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه وقد روى نحوه عن أنس بن مالك مرفوعا والله أعلم وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن محمد المسندي حدثنا إسحاق بن إدريس أخبرني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن سلمة الأنصاري أخبرني جعفر بن محمود عن جدته بديلة بنت أسلم قالت صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد ايلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام قال إبراهيم فحدثني رجال من بني حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك قال أولئك قوم آمنوا بالغيب هذا حديث غريب من هذا الوجه قال ابن عباس ويقيمون الصلاة أي يقيمون الصلاة بفروضها وقال الضحاك عن ابن عباس إقامة الصلاة إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها وقال قتادة إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها وقال مقاتل بن حيان إقامتها المحافظة على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا إقامتها وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس « ومما رزقناهم ينفقون » قال زكاة أموالهم وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم « ومما رزقناهم ينفقون » قال هي نفقة الرجل على أهله وهذا قبل أن تنزل الزكاة وقال جوبير عن الضحاك كانت النفقات قربانا يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات سبع آيات في سورة براءة مما يذكر فيهن الصدقات هن الناسخات المثبتات وقال قتادة « ومما رزقناهم ينفقون » فأنفقوا مما أعطاكم الله هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم يوشك أن تفارقها واختار ابن جريرأن الآية عامة في الزكاة والنفقات فإنه قال وأولى التأويلات وأحقها بصفة القوم أن يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين زكاة كانت ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل أو عيال وغيرهم ممن يجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك لأن الله تعالى عم وصفهم ومدحهم بذلك وكل من الإنفاق والزكاة ممدوح به محمود عليه « قلت » كثيرا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال فإن الصلاة حق الله وعبادته وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه وتمجيده والإبتهال إليه ودعائه والتوكل عليه والإنفاق هو من الاحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك ثم الأجانب فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى « ومما رزقناهم ينفقون » ولهذا ثبت في الصحيحين « خ 8 م 16 » عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والأحاديث في هذا كثيرة وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء قال الأعشى-لها حارس لا يبرح الدهر بيتها وإن ذبحت صلى عليها وزمزما-وقال أيضا-وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتسم-أنشدهما ابن جرير مستشهدا على ذلك وقال الآخر وهو الأعشى أيضا-تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يارب جنب أبي الأوصاب والوجعا**عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعا-يقول عليك من الدعاء مثل الذي دعيته لي وهذا ظاهر ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة بشروطها المعروفة وصفاتها وأنواعها المشهورة قال ابن جرير وأرى أن الصلاة سميت صلاة لأن المصلي يتعرض لاستنتاج طلبته من ثواب الله بعمله مع ما يسأل ربه من حاجاته وقيل هي مشتقة من الصلوين إذا تحركا في الصلاة عند الركوع والسجود وهما عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفان عجب الذنب ومنه سمي المصلي وهو التالي للسابق في حلبة الخيل وفيه نظر وقيل هي مشتقة من الصلى وهو الملازمة للشيء من قوله تعالى « لا يصلاها » أي لا يلزمها ويدوم فيها « إلا الأشقى » وقيل مشتقة من تصلية الخشبة في النار لتقوم كما أن المصلى يقوم عوجه بالصلاة « إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر » واشتقاقها من الدعاء أصح وأشهر والله أعلم وأما الزكاة فسيأتي الكلام عليها في موضعه إن شاء الله تعالى
| ||||||||||||||||
الإثنين 17 أغسطس 2015, 8:28 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 4-والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ قال ابن عباس والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك أي يصدقون بما جئت به من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ماجاءهم به من ربهم وبالآخرة هم يوقنون أي بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان وإنما سميت الآخرة لأنها بعد الدنيا وقد اختلف المفسرون في الموصوفين هنا هل هم الموصوفون بما قدم من قوله تعالى « الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون » ومن هم على ثلاثة أقوال حكاها ابن جرير « أحدها » أن الموصوفين أولا هم الموصوفون ثانيا وهم كل مؤمن مؤمنو العرب ومؤمنو أهل الكتاب وغيرهم قال مجاهد وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة « والثاني » هما واحد وهم مؤمنو أهل الكتاب وعلى هذين تكون الواو عاطفة صفات على صفات كما قال تعالى « سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى » وكما قال الشاعر-إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم-فعطف الصفات بعضها على بعض والموصوف واحد « والثالث » أن الموصوفين أولا مؤمنو العرب والموصوفون ثانيا بقوله « والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون » لمؤمني أهل الكتاب نقله السدي في تفسيره عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة واختاره ابن جرير رحمه الله ويستشهد لما قال بقوله تعالى « وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله » الآية وبقوله تعالى « الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون » وبما ثبت في الصحيحين « خ 97 م 154 » من حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها وأما ابن جرير فما استشهد على صحة ما قال إلا بمناسبة وهي أن الله وصف في أول هذه السورة المؤمنين والكافرين فكما انه صنف الكافرين إلى صنفين كافر ومنافق فكذلك المؤمنون صنفهم إلى صنفين عربي وكتابي « قلت » والظاهر قول مجاهد فيما رواه الثوري عن رجل عن مجاهد ورواه غير واحد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال أربع كلمات من أول سورة البقرة في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاثة عشر في المنافقين فهذه الآيات الأربع عامات في كل مؤمن اتصف بها من عربي وعجمي وكتابي من إنسي وجني وليس تصح واحدة من هذه الصفات بدون الأخرىبل كل واحدة مستلزمة للأخرى وشرط معها فلا يصح الإيمان بالغيب وإقام الصلاة والزكاة إلا مع الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من قبله من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين والإيقان بالآخرة كما أن هذا لا يصح إلا بهذا وقد أمر الله المؤمنين بذلك كما قال « يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل » الآية وقال تعالى « ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد » الآية وقال تعالى « يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم » وقال تعالى « قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم » وأخبر تعالى عن المؤمنين كلهم بذلك فقال تعالى « آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله » وقال تعالى « والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم » إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أمر جميع المؤمنين بالإيمان بالله ورسله وكتبه لكن لمؤمني أهل الكتاب خصوصية وذلك أنهم يؤمنون بما بأيديهم مفصلا فإذا دخلوا في الإسلام وآمنوا به مفصلا كان لهم على ذلك الأجر مرتين وأما غيرهم فإنما يحصل له الإيمان بما تقدم مجملا كما جاء في الصحيح « خ 7542 » إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تكذبوهم ولا تصدقوهم ولكن قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ولكن قد يكون إيمان كثير من العرب بالإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم أتم وأكمل وأعم وأشمل من إيمان من دخل منهم في الإسلام فهم وإن حصل لهم أجران من تلك الحيثية فغيرهم يحصل له من التصديق ما ينيف ثوابه على الأجرين اللذين حصلا لهم والله أعلم
| ||||||||||||||||
الإثنين 17 أغسطس 2015, 8:30 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 5-أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يقول الله تعالى « أولئك » أي المتصفون بما تقدم من الإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق من الذي رزقهم الله والإيمان بما أنزل إلى الرسول ومن قبله من الرسل والإيقان بالدار الآخرة وهو مستلزم الإستعداد لها من الأعمال الصالحة وترك المحرمات « على هدى » أي على نور وبيان وبصيرة من الله تعالى « وأولئك هم المفلحون » أي في الدنيا والآخرة وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « أولئك على هدى من ربهم » أي على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم به « وأولئك هم المفلحون » أي الذين أدركوا ماطلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا وقال ابن جرير وأما معنى قوله تعالى « أولئك على هدى من ربهم » فإن معنى ذلك أنهم على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديده إياهم وتوفيقه لهم وتأويل قوله تعالى « وأولئك هم المفلحون » أي المنجحون المدركون ماطلبوا عند الله بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله من الفوز بالثواب والخلود في الجنات والنجاة مما أعد الله لأعدائه من العقاب وقد حكى ابن جرير قولا عن بعضهم أنه أعاد إسم الإشارة في قوله تعالى « أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون » إلى مؤمني أهل الكتاب الموصوفين بقوله تعالى « والذين يؤمنون بما أنزل إليك » الآية على ما تقدم من الخلاف وعلى هذا فيجوز أن يكون قوله تعالى « والذين يؤمنون بما أنزل اليك » منقطعا مما قبله وأن يكون مرفوعا على الإبتداء وخبره « أولئك هم المفلحون » واختار انه عائد إلى جميع من تقدم ذكره من مؤمني العرب وأهل الكتاب لما رواه السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني وعن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الذين يؤمنون بالغيب فهم المؤمنون من العرب والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك هم المؤمنون من أهل الكتاب ثم جمع الفريقين فقال « أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون » وقد تقدم من الترجيح ان ذلك صفة للمؤمنين عامة والإشارة عائدة عليهم والله أعلم وقد نقل عن مجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة رحمهم الله وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة حدثني عبيد الله بن المغيرة عن أبي الهيثم واسمه سليمان بن عمرو عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ من القرآن فنكاد أن نيأسأو كما قال قال أفلا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار قالوا بلى يا رسول الله قال « الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين » إلى قوله تعالى « المفلحون » هؤلاء أهل الجنة قالوا إنا نرجو أن نكون هؤلاء ثم قال « إن الذين كفروا سواء عليهم » إلى قوله « عظيم » هؤلاء أهل النار قالوا لسنا هم يا رسول الله قال أجل
| ||||||||||||||||
الإثنين 17 أغسطس 2015, 8:40 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 6-إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ يقول تعالى « إن الذين كفروا » أي غطوا الحق وستروه وقد كتب الله تعالى عليهم ذلك سواء عليهم إنذارك وعدمه فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به كما قال تعالى « إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم » وقال تعالى في حق المعاندين من أهل الكتاب « ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك » الآية أي إن من كتب الله عليه الشقاوة فلا مسعد له ومن أضله فلا هادي له فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وبلغهم الرسالة فمن استجاب لك فله الحظ الأوفر ومن تولى فلا تحزن عليهم ولا يهمنك ذلك « فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل » وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى « إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون » قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ولايضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « إن الذين كفروا » أي بما أنزل إليك وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك « سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون » أي إنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق وقد كفروا بما جاءك وبما عندهم مما جاءهم به غيرك فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب وهم الذين قال الله فيهم « الم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها » والمعنى الذي ذكرناه أولا وهو المروي عن ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة أظهر ويفسر ببقية الآيات التي في معناها والله أعلم وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديثا فقال حدثنا أبي حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة حدثني عبد الله بن المغيرة عن أبي الهيثم عن عبد الله بن عمرو قال قيل يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نيأس فقال ألا أخبركم ثم قال « إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون » هؤلاء أهل النار قالوا لسنا منهم يا رسول الله قال أجل وقوله تعالى « لا يؤمنون » محله من الإعراب أنه جملة مؤكدة للتي قبلها « سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم » أي هم كفار في كلا الحالتين فلهذا أكد ذلك بقوله تعالى « لا يؤمنون » ويحتمل أن يكون لا يؤمنون خبرا لإن تقديره إن الذين كفروا لا يؤمنون ويكون قوله تعالى « سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم » جملة معترضة والله أعلم
| ||||||||||||||||
الإثنين 17 أغسطس 2015, 8:43 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 7-خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ قال السدي ختم الله أي طبع الله وقال قتادة في هذه الآية استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولايسمعون ولايفقهون ولا يعقلون وقال ابن جريج قال مجاهد « ختم الله على قلوبهم » قال نبئت أن الذنوب على القلب تحف به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع والطبع الختم قال ابن جريج الختم على القلب والسمع قال ابن جريج وحدثني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول الران أيسر من الطبع والطبع أيسر من الإقفال والإقفال أشد من ذلك كله وقال الأعمش أرانا مجاهد بيده فقال كانوا يرون أن القلب في مثل هذه يعني الكف فاذا أذنب العبد ذنبا ضم منه وقال بأصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنبضم وقال بإصبع أخرى فإذا أذنب ضم وقال بإصبع أخرى هكذا حتى ضم أصابعه كلها ثم قال يطبع عليه بطابع وقال مجاهد كانوا يرون أن ذلك الرين ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن الأعمش عن مجاهد بنحوه قال ابن جرير وقال بعضهم إنما معنى قوله تعالى « ختم الله على قلوبهم » إخبار من الله عن تكبرهم وإعراضهم عن الإستماع لما دعوا إليه من الحق كما يقال إن فلانا أصم عن هذا الكلام إذا امتنع من سماعه ورفع نفسه عن تفهمه تكبرا قال وهذا لا يصح لأن الله تعالى قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم « قلت » وقد أطنب الزمخشري في تقرير مارده ابن جرير ههنا وتأول الآية من خمسة أوجه وكلها ضعيفة جدا وماجرأه على ذلك إلا اعتزاله لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده يتعالى الله عنه في اعتقاده ولو فهم قوله تعالى « فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم » وقوله « ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون » وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاءا وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح فلو أحاط به علما بهذا لما قال ما قال والله أعلم قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال « بل طبع الله عليها بكفرهم » وذكر حديث تقليب القلوب ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وذكر حديث حذيفة الذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا الحديث قال ابن جرير والحق عندي في ذلك ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما حدثنا به محمد بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي قال تعالى « كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون » هذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي « 3334 » والنسائي « عمل 418 » عن قتيبة والليث بن سعد وابن ماجه « 4244 » عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم ثلاثتهم عن محمد بن عجلان به وقال الترمذي حسن صحيح ثم قال ابن جرير فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب اغلقتها وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من الله تعالى والطبع فلا يكون للإيمان إليها مسلك ولا للكفر عنها مخلص فذلك هو الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى « ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم » نظير الختم والطبع على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا يفض ذلك عنها ثم حلها فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحله رباطه عنها واعلم ان الوقف التام على قوله تعالى « ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم » وقوله « وعلى أبصارهم غشاوة » جملة تامة فإن الطبع يكون على القلب وعلى السمع والغشاوة وهي الغطاء يكون على البصر كما قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله « ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم » يقول فلا يعقلون ولا يسمعون يقول وجعل على ابصارهم غشاوة يقول على أعينهم فلا يبصرون وقال ابن جرير حدثني محمد بن سعد حدثنا أبي حدثني عمي الحسين بن الحسن عن أبيه عن جده عن ابن عباس « ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم » والغشاوة على أبصارهم وقال حدثنا القاسم حدثنا الحسين يعني ابن داود وهو سنيد حدثني حجاج وهو ابن محمد الأعور حدثني ابن جريج قال الختم على القلب والسمع والغشاوة على البصر قال الله تعالى « فإن يشإ الله يختم على قلبك » وقال « وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة » قال ابن جرير ومن نصب غشاوة من قوله تعالى « وعلى أبصارهم غشاوة » يحتمل أنه نصبها بإضمار فعل تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة ويحتملأن يكون نصبها على الإتباع على محل وعلى سمعهم كقوله تعالى « وحور عين » وقول الشاعر-علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها-وقال الآخر-ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا-تقديره وسقيتها ماء باردا ومعتقلا رمحا لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات ثم عرف حال الكافرين بهاتين الآيتين شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يظهارون الإيمان ويبطنون الكفر ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس أطنب في ذكرهم بصفات متعددة كل منها نفاق كما أنزل سورة براءة فيهم وسورة المنافقين فيهم وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور تعريفا لأحوالهم لتجتنب ويجتنب من تلبس بها أيضا فقال تعالى
| ||||||||||||||||
الإثنين 17 أغسطس 2015, 8:48 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 8-وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ 9-يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر وهو أنواع اعتقادي وهو الذي يخلد صاحبه في النار وعملي وهو من أكبر الذنوب كما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى وهذا كما قال ابن جريج المنافق يخالف قوله فعله وسره علانيته ومدخله مخرجه ومشهده مغيبه وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه من الناس من كان يظهر الكفر مستكرها وهو في الباطن مؤمن فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع حلفاء الخزرج وبنو النضير وبنو قريظة حلفاء الأوس فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج وقل من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضا لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تخاف بل قد كان عليه الصلاة والسلام وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة فلما كانت وقعة بدر العظمى وأظهر الله كلمته وأعز الأسلام أهله قال عبد الله بن أبي ابن سلول وكان رأسا في المدينة وهو من الخزرج وكان سيد الطائفتين في الجاهلية وكانوا قد عزموا على أن يملكوه عليهم فجاءهم الخير وأسلموا واشتغلوا عنه فبقى في نفسه من الإسلام وأهله فلما كانت وقعة بدر قال هذا أمر قد توجه فأظهر الدخول في الإسلام ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته وآخرون من أهل الكتاب فمن ثم وجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد هاجر لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرها بل يهاجرفيترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين » يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم وكذا فسرها بالمنافقين من الأوس والخزرج أبو العالية والحسن وقتادة والسدي ولهذا نبه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون فيقع لذلك فساد عريض من عدم الإحتراز منهم ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفار في نفس الأمر وهذا من المحذورات الكبار أن يظن لأهل الفجور خير فقال تعالى « ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين » أي يقولون ذلك قولا ليس وراءه شيء آخر كما قال تعالى « إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله » إي إنما يقولون ذلك إذا جاءوك فقط لا في نفس الأمر ولهذا يؤكدون في الشهادة بإن ولام التأكيد في خبرها أكدوا أمرهم قالوا آمنا بالله وباليوم الآخر وليس الأمر كذلك كما كذبهم الله في شهادتهم وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم لقوله تعالى « والله يشهد إن المنافقين لكاذبون » وبقوله « وما هم بمؤمنين » وقوله تعالى « يخادعون الله والذين آمنوا » أي بإظهارهم ما أظهروه من الأيمان مع إسرارهم الكفر يعتقدون بجهلهمأنهم يخدعون الله بذلك وإن ذاك نافعه عنده وإنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المومنين كما قال تعالى « يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون » ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله « وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون » يقول وما يغرون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم كما قال تعالى « إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم » ومن القراء من قرأ « وما يخدعون إلا أنفسهم » وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد قال ابن جرير فإن قال قائل كيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعا وهو لا يظهر بلسانه خلاف ماهو له معتقد إلا تقية قيل لا تمتنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي في ضميره تقية لينجو مما هو له خائف مخادعا فكذلك المنافق سمي مخادعا لله وللمؤمنين بإظهاره ما أظهره بلسانه تقية بما يخلص به من القتل والسبي والعذاب العاجل وهو لغير ما أظهره مستبطن وذلك من فعله وإن كان خداعا للمؤمنين في عاجل الدنيا فهو لنفسه بذلك من فعله خادع لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها إنه يعطيها أمنيتها ويسقيها كأس سرورها وهو موردها حياض عطبها ومجرعها به كأس عذابها ومزبرها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به فذلك خديعته نفسه ظنا منه مع إساءته إليها في أمر معادها إنه إليها محسن كما قال تعالى « وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون » إعلاما منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم عليها ربهم بكفرهم وشركهم وتكذيبهم غير شاعرين ولا دارين ولكنهم على عمى من أمرهم مقيمون وقال ابن أبي حاتم أنبأنا علي بن المبارك فيما كتب إلي حدثنا زيد بن المبارك حدثنا محمد بن ثور عن ابن جريج في قوله تعالى « يخادعون الله » تعالى قال يظهارون لا إله إلا الله يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم وفي أنفسهم غير ذلك وقال سعيد عن قتادة « ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون » نعت المنافق عند كثير خنع الأخلاق يصدق بلسانه وينكر بقلبه ويخالف بعمله يصبح على حال ويمسي على غيره ويمسي على حال ويصبح على غيره ويتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح هبت معها
| ||||||||||||||||
الإثنين 17 أغسطس 2015, 8:50 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 10-فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية « في قلوبهم مرض » قالشك فزادهم الله مرضا قال شكا وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال شك وكذلك قال مجاهد وعكرمة والحسن البصري وأبو العالية والربيع أبن أنس وقتادة وعن عكرمة وطاوس « في قلوبهم مرض » يعني الرياء وقال الضحاك عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال نفاق فزادهم الله مرضا قال نفاقا وهذا كالأول وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قلوبهم مرض قال هذا مرض في الدين وليس مرضا في الأجساد وهم المنافقون والمرض الشك الذي دخلهم في الإسلام فزادهم الله مرضا قال زادهم رجسا وقرأ « فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم » قال شرا إلى شرهم وضلالة إلى ضلالتهم وهذا الذي قاله عبد الرحمن رحمه الله حسن وهو الجزاء من جنس العمل وكذلك قاله الأولون وهو نظير قوله تعالى أيضا « والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم » وقوله « بما كانوا يكذبون » وقرئ يكذبون وقد كانوا متصفين بهذا وهذا فانهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب يجمعون بين هذا وهذا وقد سئل القرطبي وغيره من المفسرين عن حكمة كفه عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين مع علمه بأعيان بعضهم وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه أكره أن يتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه ومعنى هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغيير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ولا يعلمون حكمة قتله لهم وإن قتله إياهم إنما هو على الكفر فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون أن محمدا يقتل أصحابه قال القرطبي وهذا قول علمائنا وغيرهم كما كان يعطي المؤلف مع علمهبسوء إعتقادهم قال ابن عطية وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وعن ابن الماجشون ومنها ما قال مالك إنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه قال القرطبي وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه وإن اختلفوا في سائر الأحكام قال ومنها ما قال الشافعي إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ماكانوا يظهارونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم لأن ما يظهارونه يجب ما قبله ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المجمع على صحته في الصحيحين وغيرهما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل ومعنى هذا أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهرا فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الدار الآخرة وإن لم يعتقدها لم ينفعه جريان الحكم عليه في الدنيا وكونه كان خليط أهل الإيمان « ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله » الآية فهم يخالطونهم في بعض المحشر فإذا حقت المحقوقية تميزوا منهم وتخلفوا بعدهم « وحيل بينهم وبين ما يشتهون » ولن يمكنهم أن يسجدوا معهم كما نطقت بذلك الأحاديث ومنها ما قاله بعضهم أنه إنما لم يقتلهم لأنه كان لا يخاف من شرهم مع وجوده صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يتلوا عليهم آيات الله البينات فأما بعده فيقتلون إذا أظهروا النفاق وعلمهم مسلمون قال مالك المنافق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزنديق اليوم « قلت » وقد اختلف العلماء في قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا أو يفرط بين أن يكون داعية أم لا أو يتكرر منه ارتداده أم لا أو يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر عليه على أقوال متعددة موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الأحكام « تنبيه » قول من قال كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقا في غزوة تبوك الذين هموا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك عزموا على أن ينفروا به الناقة ليسقط عنها فأوحى الله إليه أمرهم فاطلع على ذلك حذيفة ولعل الكف عن قتلهم كان المدرك من هذه المدارك أو لغيرها والله أعلم فأما غير هؤلاء فقد قال الله تعالى « وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم » الآية وقال تعالى « لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا » ففيها دليل على أنه لم يغريهم ولم يدرك على أعيانهم وإنما كان تذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم كما قال تعالى « ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول » وقد كان من أشهرهم بالنفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلام الذي سبق في صفات المنافقين ومع هذا لما مات صلى الله عليه وسلم وشهد دفنه كما يفعل ببقية المسلمين وقد عاتبه عمر بن الخطاب فيه فقال اني أكره ان تتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه وفي رواية الصحيح إني خيرت فاخترت وفي رواية لو أعلم إني لو زدت على السبعين يغفر له لزدت
| ||||||||||||||||
الثلاثاء 18 أغسطس 2015, 6:02 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 11-وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ 12-أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الطبيب الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم « وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون » قال هم المنافقون أما لا تفسدوا في الأرض قال الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى « وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض » قال يعني لا تعصوا في الأرض وكان فسادهم ذلك معصية الله لأنه من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وقال ابن جريج عن مجاهد « وإذا قيل لهم لا تفسدوافي الأرض » قال إذا ركبوا معصية الله قيل لهم لا تفعلوا كذا وكذا قالوا إنما نحن على الهدى مصلحون وقال وكيع وعيسى بن يونس وعثام بن علي عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن سلمان الفارسي « وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون » قال سلمان لم يجيء أهل هذه الآية بعد وقال ابن جرير حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن الأعمش عن زيد بن وهب وغيره عن سلمان الفارسي في هذه الآية قال ما جاء هؤلاء بعد قال ابن جرير يحتمل أن سلمان رضي الله عنه أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادا من الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا أنه عني أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد قال ابن جرير فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه وتضييعهم فرائضه وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا فذلك إفساد المنافقين في الأرض وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها وهذا الذي قاله حسن فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء كما قال تعالى « والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير » فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا » ثم قال « إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا » فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين فكان الفساد من جهة المنافق حاصل لأنه هو الذي غر المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له ووالى الكافرين على المؤمنين ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف ولو أخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح وأنجح ولهذا قال تعالى « وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون » أي نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء كما قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب يقول الله « ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون» يقول ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادا
| ||||||||||||||||
الثلاثاء 18 أغسطس 2015, 6:04 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 13-وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ يقول تعالى « وإذا قيل » للمنافقين « آمنوا كما آمن الناس » أي كإيمان الناس بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنة والنار وغير ذلك مما أخبر المؤمنين به وعنه وأطيعوا الله ورسوله في امتثال الأوامر وترك الزواجر « قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء » يعنون لعنهم الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم قاله أبو العالية والسدي في تفسيره بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة وبه يقول الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم يقولون أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء والسفهاء جمع سفيه لأن الحكماء جمع حكيم والحلماء جمع حليم والسفيه هو الجاهل الضعيف الرأي القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء في قوله تعالى « ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما » قال عامة علماء التفسير هم النساء والصبيان وقد تولى الله سبحانه جوابهم في هذه المواطن كلها فقال « ألا إنهم هم السفهاء » فأكد وحصر السفاهة فيهم « ولكن لا يعلمون » يعني ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى والبعد عن الهدى
| ||||||||||||||||
الثلاثاء 18 أغسطس 2015, 6:08 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 14-وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ 15-اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ يقول تعالى وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا آمنا وأظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافات غرورا منهم للمؤمنين ونفاقا ومصانعة وتقية وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم « وإذا خلوا إلى شياطينهم » يعني إذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إلى شياطينهم فضمن خلوا معنى انصرفوا لتعديته بإلى ليدل على الفعل المضمر والفعل الملفوظ به ومنهم من قال إلى هنا بمعنى مع والأول أحسن وعليه يدور كلام ابن جرير وقال السدي عن أبي مالك « خلوا » يعني مضوا وشياطينهم سادتهم وكبراؤهم ورؤساؤهم من أحبار اليهود ورءوس المشركين والمنافقين قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم « وإذا خلوا إلى شياطينهم » يعني هم رؤساءهم في الكفر وقال الضحاك عن ابن عباس وإذا خلوا إلى أصحابهم وهم شياطينهم وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « وإذا خلوا إلى شياطينهم » من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد « وإذا خلوا إلى شياطينهم » إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين وقال قتادة « وإذا خلوا إلى شياطينهم » قال إلى رءوسهم وقادتهم في الشرك والشر وبنحو ذلك فسره أبو مالك وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس قال ابن جرير وشياطين كل شيء مردته ويكون الشيطان من الإنس والجن كما قال تعالى « وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا » وفي المسند « 5/178 س 8/275 » عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن فقلت يا رسول الله أو للإنس شياطين قال نعم وقوله تعالى « قالوا إنا معكم » قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أي إنا على مثل ما أنتم عليه « إنما نحن مستهزئون » أي إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم وقال الضحاك عن ابن عباس قالوا إنما نحن مستهزئون ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك قال الربيع بن أنس وقتادة وقوله تعالى جوابا لهم ومقابلة على صنيعهم « الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون » وقال ابن جرير أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله تعالى « يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب » الآية وقوله تعالى « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما » الآية قال فهذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ذكره وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين وأهل الشرك به عند قائل هذا القول ومتأول هذا التأويل قال وقال آخرون بل استهزاؤه بهم توبيخه إياهم ولومه لهم على ماركبوا من معاصيه والكفر به قال وقال آخرون هذا وأمثاله على سبيل الجواب كقول الرجل لمن يخدعه إذا ظفر به أنا الذي خدعتك ولم يكن منه خديعة ولكن قال ذلك إذا صار الأمر إليه قالوا وكذلك قوله تعالى « ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين » و « الله يستهزئ بهم » على الجواب والله لا يكون منه المكر ولا الهزء والمعنى أن المكر والهزء حاق بهم وقال آخرون قوله تعالى « إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم » وقوله « يخادعون الله وهو خادعهم » وقوله « فيسخرون منهم سخر الله منهم » و « نسوا الله فنسيهم » وما أشبه ذلك إخبار من الله تعالى أنه مجازيهم جزاء الإستهزاء ومعاقبتهم عقوبة الخداع فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ وان اختلف المعنيان كما قال تعالى « وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله » وقوله تعالى « فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه » فالأول ظلم والثاني عدل فهما وان اتفق لفظهما فقد اختلف معناهما قال وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك قال وقال آخرون ان معنى ذلك أن الله أخبر عن المنافقين أنهم اذا خلوا إلى مردتهم قالوا انا معكم على دينكم في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به وانما نحن بما نظهر لهم منقولنا لهم مستهزئون فأخبر تعالى أنه يستهزئ بهم فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا يعني من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الذي لهم عنده في الآخرة يعني من العذاب والنكال ثم شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله عز وجل بالإجماع وأما على وجه الإنتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك قال وبنحو ما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عباس حدثنا أبو كريب حدثنا عثمان حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى « الله يستهزئ بهم » فقال يسخر بهم للنقمة منهم وقوله تعالى « ويمدهم في طغيانهم يعمهون » قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمدهم يملي لهم وقال مجاهد يزيدهم وقال تعالى « أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون » وقال « سنستدرجهم من حيث لا يعلمون » قال بعضهم كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة وهي في الحقيقة نقمة وقال تعالى « فلما نسوا ماذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين » قال ابن جرير والصواب نزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم كما قال تعالى « ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون » والطغيان هو المجاوزة في الشيء كما قال تعالى « إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية » وقال الضحاك عن ابن عباس في طغيانهم يعمهون في كفرهم يترددون وكذا فسره السدي بسنده عن الصحابة وبه يقول أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس ومجاهد وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد في كفرهم وضلالتهم قال ابن جرير والعمه الضلال يقال عمه فلان يعمه عمها وعموها إذا ضل قال وقوله في طغيانهم يعمهون في ضلالتهم وكفرهم الذي غمرهم دنسه وعلاهم رجسه يترددون حيارى ضلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها فلا يبصرون رشدا ولا يهتدون سبيلا وقال بعضهم العمى في العين والعمه في القلب وقد يستعمل العمى في القلب أيضا قال الله تعالى « فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور » وتقول عمه الرجل يعمه عموها فهو عمه وعامه وجمعه عمه وذهبت إبله العمهاء اذا لم يدر أين ذهبت
| ||||||||||||||||
الثلاثاء 18 أغسطس 2015, 6:09 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 16-أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ قال السدي فيتفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة « أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى » قال أخذوا الضلالة وتركوا الهدى وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى » أي الكفر بالإيمان وقال مجاهد آمنوا ثم كفروا وقال قتادة استحبوا الضلالة على الهدى وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود « وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى » وحاصل قول المفسرين فيما تقدم أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال واعتاضوا عن الهدى بالضلالة وهو معنى قوله تعالى « أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى » أي بذلوا الهدى ثمنا للضلالة وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثم رجع عنه إلى الكفر كما قال تعالى فيهم « ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم » أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى كما يكون حال فريق آخر منهم فإنهم أنواع وأقسام ولهذا قال تعالى « فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين » أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة وما كانوا مهتدين أي راشدين في صنيعهم ذلك وقال ابن جرير حدثنا بشير حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة « فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين » قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة بمثله سواء
| ||||||||||||||||
الثلاثاء 18 أغسطس 2015, 6:11 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 17-مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ 18-صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ يقال مثل ومثل ومثيل أيضا والجمع أمثال قال الله تعالى « وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون » وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد نارا فلما أضاءت ماحوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يبصر ولا يهتدي وهو مع هذا فهو أصم لا يسمع أبكم لا ينطق أعمى ولو كان ضياء لما أبصر فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضا عن الهدى واستحبابهم الغي على الرشد وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع والله أعلم وقد حكى هذا الذي قلناه الرازي في تفسيره عن السدي ثم قال والتشبيه ههنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل ههنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات واحتج بقوله تعالى « ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين » والصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ثم سلبوه وطبع على قلوبهم ولم يستحضر ابن جرير هذه الآية ههنا وهي قوله تعالى « ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون » فلهذا وجه هذا المثل بأنهم استضاءوا بما أظهروه من كلمة الإيمان أي في الدنيا ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة قال وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال « رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت » أي كدوران الذي يغشى عليه من الموت وقال تعالى « ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة » وقال تعالى « مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا » وقال بعضهم تقدير الكلام مثل قصتهم كقصة الذين استوقدوا نارا وقال بعضهم المستوقد واحد لجماعة معه وقال آخرون الذي ههنا بمعنى الذين كما قال الشاعر-وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد-قلت وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع في قوله تعالى « فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون » وهذا أفصح في الكلام وأبلغ في النظام وقوله تعالى « ذهب الله بنورهم » أي ذهب عنهم بما ينفعهم وهو النور وأبقى لهم ما يضرهم وهو الإحراق والدخان « وتركهم في ظلمات » وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق « لا يبصرون » لا يهتدون إلى سبيل خير ولا يعرفونها وهم مع ذلك « صم » لا يسمعون خيرا « بكم » لا يتكلمون بما ينفعهم « عمي » في ضلالة وعماية البصيرة كما قال تعالى « فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور » فلهذا لا يرجعون إلى ماكانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة « ذكر أقوال المفسرين من السلف بنحو ما ذكرناه » قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة في قوله تعالى « فلما أضاءت ما حوله » زعم أن ناسا دخلوا في الإسلام مقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة ثم إنهم نافقوا وكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقد نارا فلما أضاءت ما حوله من قذى أو أذى فأبصره حتى عرف ما يتقي منه فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى فذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم فعرف الحلال والحرام والخير والشر فبينما هو كذلك إذ كفر فصار لا يعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشر وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية قال أما النور فهو إيمانهم الذي كانوا يتكلمون به وأما الظلمة فهي ضلالتهم وكفرهم الذي كانوا يتكلمون به وهم قوم كانوا على هدى ثم نزع منهم فعتوا بعد ذلك وقال مجاهد « فلما أضاءت ما حوله » أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى وقال عطاء الخراساني في قوله تعالى « مثلهم كمثلالذي استوقد نارا » قال هذا مثل المنافق يبصر أحيانا ويعرف أحيانا ثم يدركه عمى القلب وقال ابن أبي حاتم وروي عن عكرمة والحسن والسدي والربيع بن أنس نحو قول عطاء الخراساني وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى « مثلهم كمثل الذي استوقد نارا » قال هذا مثل المنافق يبصر أحيانا ويعرف أحيانا ثم يدركه عمى القلب وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى « مثلهم كمثل الذي استوقد نارا » إلى آخر الآية قال هذه صفة المنافقين كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا نارا ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار فتركهم في ظلمات لا يبصرون وأما قول ابن جرير فيشبه مارواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى « مثلهم كمثل الذي استوقد نارا » قال هذا مثل ضربة الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية « مثلهم كمثل الذي استوقد نارا » فإنما ضوء النار ما أوقدتها فإذا خمدت ذهب نورها وكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الاخلاص بلا إله إلا الله أضاء له فإذا شك وقع في الظلمة وقال الضحاك « ذهب الله بنورهم » أما نورهم فهو إيمانهم الذي تكلموا به وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة « مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله » فهي لا إله إلا الله أضاءت لهم فأكلوا بها وشربوا وآمنوا في الدنيا وأنكحوا النساء وحقنوا دماءهم حتى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون وقال سعيد عن قتادة في هذه الآية إن المعنى أن المنافق تكلم بلا إله إلا الله فأضاءت له في الدنيا فناكح بها المسلمين وغازاهم بها ووارثهم بها وحقن بها دمه وماله فلما كان عند الموت سلبها المنافق لأنه لم يكن لها أصل في قلبه ولا حقيقة في عمله « وتركهم في ظلمات لا يبصرون » قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس « وتركهم في ظلمات لا يبصرون » يقول في عذاب إذا ماتوا وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « وتركهم في ظلمات » أي بيصرون الحق ويقولون به حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فيه فتركهم في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق وقال السدي في تفسيره بسنده « وتركهم في ظلمات » فكانت الظلمة نفاقهم وقال الحسن البصري وتركهم في ظلمات لا يبصرون فذلك حين يموت المنافق فيظلم عليه عمله عمل السوء فلا يجد له عملا من خير عمل به يصدق به قول لا إله إلا الله « صم بكم عمي » قال السدي بسنده صم بكم عمي فهم خرس عمي وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس « صم بكم عمي » يقول لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه وكذا قال أبو العالية وقتادة بن دعامة « فهم لا يرجعون » قال ابن عباس أي لا يرجعون إلى هدى وكذا قال الربيع بن أنس وقال السدي بسنده « صم بكم عمي فهم لا يرجعون » إلى الإسلام وقال قتادة فهم لا يرجعون أي لا يتوبون ولا هم يذكرون
| ||||||||||||||||
الثلاثاء 18 أغسطس 2015, 6:13 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||
مدير المنتدى
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة 19-أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ 20-يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أخرى فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم « كصيب » والصيب المطر قاله ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحسن البصري وقتادة وعطية العوفي وعطاء الخراساني والسدي والربيع بن أنس وقال الضحاك هو السحاب والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق ورعد وهو ما يزعج القلوب من الخوف فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى « يحسبون كل صيحة عليهم » وقال « ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليهوهم يجمحون » « والبرق » هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان ولهذا قال « يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين » أي ولا يجدي عنهم حذرهم شيئا لأن الله محيط بقدرته وهم تحت مشيئته وإرادته كما قال « هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط » ثم قال « يكاد البرق يخطف أبصارهم » أي لشدته وقوته في نفسه وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للايمان وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس « يكاد البرق يخطف أبصارهم » يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين وقال ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « يكاد البرق يخطف أبصارهم » أي لشدة ضوء الحق كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا اليه واذا أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله تعالى « ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به » وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس « كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا » أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا أي متحيرين وهكذا قال أبو العالية والحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس والسدي بسنده عن الصحابة وهو أصح وأظهر والله أعلم وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أخرى ومنهم من يمشي على الصراط تارة ويقف أخرى ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخلص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم « يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا » وقال في حق المؤمنين « يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار » الآية وقال تعالى « يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير » -نور المؤمنين- « ذكر الحديث الوارد في ذلك » قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى « يوم ترى المؤمنين والمؤمنات » الآية ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أو بين صنعاء ودون ذلك حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث عمران بن داود القطان عن قتادة بنحوه وهذا كما قال المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم وأدناهم نورا على إبهامه يطفأ مرة ويقد مرة وهكذا رواه ابن جرير عن ابن مثنى عن ابن ادريس عن أبيه عن المنهال وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن علي بن محمد الطنافسي حدثنا ابن إدريس سمعت أبي يذكر عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود « نورهم يسعى بين أيديهم » قال على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ أخرى وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا أبو يحيى الحماني حدثنا عتبة بن اليقظان عن عكرمة عن ابن عباس قال ليس أحد من أهل التوحيد إلا يعطى نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره فالمؤمن مشفق مما يرى من إطفاء نور المنافقين فهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وقال الضحاك بن مزاحم يعطى كل من كان يظهر الإيمان في الدنيا يوم القيامة نورا فإذا انتهى إلى الصراط طفئ نور المنافقين فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا فقالوا ربنا أتمم لنا نورنا فإذا تقرر هذا صار الناس أقساما مؤمنون خلص وهم الموصوفون بالآيات الأربع في أول البقرة وكفار خلصوهم الموصوفون بالآيتين بعدها ومنافقون وهم قسمان خلص وهم المضروب لهم المثل الناري ومنافقون يترددون تارة يظهر لهم لمع الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي وهم أخف حالا من الذين قبلهم وهذا المقام يشبه من بعض الوجوه ما ذكر في سورة النور من ضرب مثل المؤمن وما جعل الله في قلبه من الهدى والنور بالمصباح في الزجاجة التي كأنها كوكب دري وهي قلب المؤمن المفطور على الإيمان واستمداده من الشريعة الخالصة الصافية الواصلة إليه من غير كدر ولا تخليط كما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله ثم ضرب مثل العباد من الكفار الذين يعتقدون أنهم على شيء وليسوا على شيء وهم أصحاب الجهل المركب في قوله تعالى « والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا » الآية ثم ضرب مثل الكفار الجهال الجهل البسيط وهم الذين قال تعالى فيهم « أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور » فقسم الكفار ههنا إلى قسمين داعية ومقلد كما ذكرهما في أول سورة الحج « ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد » وقال « ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير » وقد قسم الله المؤمنين في أول الواقعة وفي آخرها وفي سورة الإنسان إلى قسمين سابقون وهم المقربون وأصحاب يمين وهم الأبرار-أصناف المؤمنين وأصناف الكافرين-فتخلص من مجموع هذه الآيات الكريمات أن المؤمنين صنفان مقربون وأبرار وأن الكافرين صنفان دعاة ومقلدون وأن المنافقين أيضا صنفان منافق خالص ومنافق فيه شعبة من نفاق كما جاء في الصحيحين « خ 34 م 58 » عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها من إذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا ائتمن خان استدلوا به على أن الإنسان قد يكون فيه شعبة من إيمان وشعبة من نفاق إما عملي لهذا الحديث أو إعتقادي كما دلت عليه الآية كما ذهب إليه طائفة من السلف وبعض العلماء كما تقدم وكما سيأتي ان شاء الله قال الإمام أحمد « 3/17 » حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية يعني شيبان عن ليث عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر وقلب أغلف مربوط على غلافه وقلب منكوس وقلب مصفح فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن فسراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه وهذا إسناد جيد حسن-وقوله تعالى « ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير » قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى « ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم » قال لما تركوا من الحق بعد معرفته « إن الله على كل شيء قدير » قال ابن عباس أي إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير وقال ابن جرير إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير ومعنى قدير قادر كما معنى عليم عالم وذهب ابن جرير ومن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين وتكون أو في قوله تعالى « أو كصيب من السماء » بمعنى الواو كقوله تعالى « ولا تطع منهم آثما أو كفورا » أو تكون للتخيير أي أضرب لهم مثلا وان شئت بهذا قال القرطبي أو للتساوي مثل جالس الحسن أو ابن سيرين على ماوجهه الزمخشري ان كلا منهما مساو للآخر في إباحة الجلوس اليه ويكون معناه على قوله سواء ضربت لهم مثلا بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم « قلت » وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة ومنهم ومنهم ومنهم يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم والله أعلم كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين في قوله تعالى « والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة » إلى أن قال « أو كظلمات فيبحر لجي » الآية فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين والله أعلم بالصواب
| ||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 10:20 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة تيسير الكريم الرحمن - السعدي - (1 / 40) تفسير سورة البقرة وهي مدنية الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) الم الحروف المقطعة في أوائل السور, الأسلم فيها, السكوت عن التعرض لمعناها [من غير مستند شرعي], مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها. ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) وقوله { ذَلِكَ الْكِتَابُ } أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة, المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم, والحق المبين. فـ { لَا رَيْبَ فِيهِ } ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه, يستلزم ضده, إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب. وهذه قاعدة مفيدة, أن النفي المقصود به المدح, لا بد أن يكون متضمنا لضدة, وهو الكمال, لأن النفي عدم, والعدم المحض, لا مدح فيه. فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال: { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة. وقال { هُدًى } وحذف المعمول, فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية, ولا للشيء الفلاني, لإرادة العموم, وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية, ومبين للحق من الباطل, والصحيح من الضعيف, ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم, في دنياهم وأخراهم. وقال في موضع آخر: { هُدًى لِلنَّاسِ } فعمم. وفي هذا الموضع وغيره { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق.فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا. ولم يقبلوا هدى الله, فقامت عليهم به الحجة, ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر, لحصول الهداية, وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه, بامتثال أوامره, واجتناب النواهي, فاهتدوا به, وانتفعوا غاية الانتفاع. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية, والآيات الكونية. ولأن الهداية نوعان: هداية البيان, وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان, وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها, ليست هداية حقيقية [تامة]. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة, والأعمال الظاهرة, لتضمن التقوى لذلك فقال: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل, المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس, فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر. إنما الشأن في الإيمان بالغيب, الذي لم نره ولم نشاهده, وإنما نؤمن به, لخبر الله وخبر رسوله. فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر, لأنه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به, أو أخبر به رسوله, سواء شاهده, أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله, أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية, لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم, ومرجت أحلامهم. وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله. ويدخل في الإيمان بالغيب, [الإيمان بـ] بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة, وأحوال الآخرة, وحقائق أوصاف الله وكيفيتها, [وما أخبرت به الرسل من ذلك] فيؤمنون بصفات الله ووجودها, ويتيقنونها, وإن لم يفهموا كيفيتها. ثم قال: { وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } لم يقل: يفعلون الصلاة, أو يأتون بالصلاة, لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة. فإقامة الصلاة, إقامتها ظاهرا, بإتمام أركانها, وواجباتها, وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها, وهو حضور القلب فيها, وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للإنسان من صلاته, إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها. ثم قال: { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة, والنفقة على الزوجات والأقارب, والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير. ولم يذكر المنفق عليهم, لكثرة أسبابه وتنوع أهله, ولأن النفقة من حيث هي, قربة إلى الله، وأتى بـ " من " الدالة على التبعيض, لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم, غير ضار لهم ولا مثقل, بل ينتفعون هم بإنفاقه, وينتفع به إخوانهم. وفي قوله: { رَزَقْنَاهُمْ } إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم, ليست حاصلة بقوتكم وملككم, وإنما هي رزق الله الذي خولكم, وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده, فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم, وواسوا إخوانكم المعدمين. وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن, لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود, والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود, وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه, فلا إخلاص ولا إحسان. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) ثم قال: { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } وهو القرآن والسنة، قال تعالى: { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول, ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه, فيؤمنون ببعضه, ولا يؤمنون ببعضه, إما بجحده أو تأويله, على غير مراد الله ورسوله, كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة, الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم, بما حاصله عدم التصديق بمعناها, وإن صدقوا بلفظها, فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا. وقوله: { وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } يشمل الإيمان بالكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه, خصوصا التوراة والإنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم. ثم قال: { وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } و " الآخرة " اسم لما يكون بعد الموت، وخصه [بالذكر] بعد العموم, لأن الإيمان باليوم الآخر, أحد أركان الإيمان؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل، و " اليقين " هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك, الموجب للعمل. أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) { أُولَئِكَ } أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة { عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } أي: على هدى عظيم, لأن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة، وهل الهداية [الحقيقية] إلا هدايتهم، وما سواها [مما خالفها]، فهو ضلالة. وأتى بـ " على " في هذا الموضع, الدالة على الاستعلاء, وفي الضلالة يأتي بـ " في " كما في قوله: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى, مرتفع به, وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر. ثم قال: { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } والفلاح [هو] الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم, وما عدا تلك السبيل, فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.
| ||||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 10:22 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة Re: تفسير سورة البقرة (السعدى) بواسطة دكتور كمال سيد » الأربعاء أغسطس 07, 2013 8:09 am إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا, ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم، المعاندين للرسول يخبر تعالى أن الذين كفروا, أي: اتصفوا بالكفر, وانصبغوا به, وصار وصفا لهم لازما, لا يردعهم عنه رادع, ولا ينجع فيهم وعظ، إنهم مستمرون على كفرهم, فسواء عليهم أأنذرتهم, أم لم تنذرهم لا يؤمنون، وحقيقة الكفر: هو الجحود لما جاء به الرسول, أو جحد بعضه، فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة إلا إقامة الحجة, وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم, وأنك لا تأس عليهم, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات. خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الإيمان فقال: { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ } أي: طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان, ولا ينفذ فيها، فلا يعون ما ينفعهم, ولا يسمعون ما يفيدهم. { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } أي: غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم, وهذه طرق العلم والخير, قد سدت عليهم, فلا مطمع فيهم, ولا خير يرجى عندهم، وإنما منعوا ذلك, وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق, كما قال تعالى: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } وهذا عقاب عاجل. ثم ذكر العقاب الآجل، فقال: { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وهو عذاب النار, وسخط الجبار المستمر الدائم. وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي, والنفاق العملي، كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " آية المنافق ثلات: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان " وفي رواية: " وإذا خاصم فجر " وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام, فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [من مكة] إلى المدينة, وبعد أن هاجر, فلما كانت وقعة " بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم, فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة, ولتحقن دماؤهم, وتسلم أموالهم, فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم, وفي الحقيقة ليسوا منهم. فمن لطف الله بالمؤمنين, أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها, لئلا يغتر بهم المؤمنون, ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم [قال تعالى]: { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ } فوصفهم الله بأصل النفاق فقال: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله بقوله: { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } لأن الإيمان الحقيقي, ما تواطأ عليه القلب واللسان يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين. والمخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا, ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، فهؤلاء المنافقون, سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك, فعاد خداعهم على أنفسهم، فإن هذا من العجائب؛ لأن المخادع, إما أن ينتج خداعه ويحصل له ما يريد أو يسلم, لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعهم عليهم, وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وإضرارها وكيدها؛ لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم [شيئا] وعباده المؤمنون, لا يضرهم كيدهم شيئا، فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان, فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم, وصار كيدهم في نحورهم, وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا, والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة. ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع, بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم, والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك. فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وقوله: { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } والمراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق، لأن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطلة, ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع, كلها من مرض الشبهات، والزنا, ومحبة [الفواحش و]المعاصي وفعلها, من مرض الشهوات ، كما قال تعالى: { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } وهي شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين, فحصل له اليقين والإيمان, والصبر عن كل معصية, فرفل في أثواب العافية. وفي قوله عن المنافقين: { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين, وأنه بسبب ذنوبهم السابقة, يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } وقال تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } وقال تعالى: { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } فعقوبة المعصية, المعصية بعدها, كما أن من ثواب الحسنة, الحسنة بعدها، قال تعالى: { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى } وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أي: إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض, وهو العمل بالكفر والمعاصي, ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين { قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض, وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح, قلبا للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية, مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة, وأرجى لرجوعه. أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12) ولما كان في قولهم: { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } حصر للإصلاح في جانبهم - وفي ضمنه أن المؤمنين ليسوا من أهل الإصلاح - قلب الله عليهم دعواهم بقوله: { ألا إنهم هم المفسدون } فإنه لا أعظم فسادا ممن كفر بآيات الله, وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه, ووالى المحاربين لله ورسوله, وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح, فهل بعد هذا الفساد فساد؟" ولكن لا يعلمون علما ينفعهم, وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله، وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادا, لأنه يتضمن فساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار, والنبات, بما يحصل فيها من الآفات بسبب المعاصي، ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به, لهذا خلق الله الخلق, وأسكنهم في الأرض, وأدر لهم الأرزاق, ليستعينوا بها على طاعته [وعبادته]، فإذا عمل فيها بضده, كان سعيا فيها بالفساد فيها, وإخرابا لها عما خلقت له. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13) أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس, أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان, قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ يعنون - قبحهم الله - الصحابة رضي الله عنهم, بزعمهم أن سفههم أوجب لهم الإيمان, وترك الأوطان, ومعاداة الكفار، والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك, فنسبوهم إلى السفه; وفي ضمنه أنهم هم العقلاء أرباب الحجى والنهى. فرد الله ذلك عليهم, وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة, لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه, وسعيه فيما يضرها, وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا, معرفة الإنسان بمصالح نفسه, والسعي فيما ينفعه, و[في] دفع ما يضره، وهذه الصفة منطبقة على [الصحابة و]المؤمنين وصادقة عليهم، فالعبرة بالأوصاف والبرهان, لا بالدعاوى المجردة, والأقوال الفارغة. وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، و[ذلك] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين, أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم, فإذا خلوا إلى شياطينهم - أي: رؤسائهم وكبرائهم في الشر - قالوا: إنا معكم في الحقيقة, وإنما نحن مستهزءون بالمؤمنين بإظهارنا لهم, أنا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة, ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) قال تعالى: { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } وهذا جزاء لهم, على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة, حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين, لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم، ومن استهزائه بهم يوم القيامة, أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا, فإذا مشي المؤمنون بنورهم, طفئ نور المنافقين, وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين, فما أعظم اليأس بعد الطمع، { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ } الآية. قوله: { وَيَمُدُّهُمْ } أي: يزيدهم { فِي طُغْيَانِهِمْ } أي: فجورهم وكفرهم، { يَعْمَهُونَ } أي: حائرون مترددون, وهذا من استهزائه تعالى بهم.
| ||||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 10:28 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة Re: تفسير سورة البقرة (السعدى) بواسطة دكتور كمال سيد » الأربعاء أغسطس 07, 2013 8:38 am أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) أولئك, أي: المنافقون الموصوفون بتلك الصفات { الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى } أي: رغبوا في الضلالة, رغبة المشتري بالسلعة, التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة. وهذا من أحسن الأمثلة, فإنه جعل الضلالة, التي هي غاية الشر, كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن، فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة رغبة فيها، فهذه تجارتهم, فبئس التجارة, وبئس الصفقة صفقتهم وإذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا, فكيف من بذل جوهرة وأخذ عنها درهما؟" فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة, واختار الشقاء على السعادة, ورغب في سافل الأمور عن عاليها ؟" فما ربحت تجارته, بل خسر فيها أعظم خسارة. { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } وقوله: { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } تحقيق لضلالهم, وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء, فهذه أوصافهم القبيحة. مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17) أي: مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا، أي: كان في ظلمة عظيمة, وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره, ولم تكن عنده معدة, بل هي خارجة عنه، فلما أضاءت النار ما حوله, ونظر المحل الذي هو فيه, وما فيه من المخاوف وأمنها, وانتفع بتلك النار, وقرت بها عينه, وظن أنه قادر عليها, فبينما هو كذلك, إذ ذهب الله بنوره, فذهب عنه النور, وذهب معه السرور, وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة, فذهب ما فيها من الإشراق, وبقي ما فيها من الإحراق، فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمة المطر, والظلمة الحاصلة بعد النور, فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون, استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين, ولم تكن صفة لهم, فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم, وسلمت أموالهم, وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت, فسلبهم الانتفاع بذلك النور, وحصل لهم كل هم وغم وعذاب, وحصل لهم ظلمة القبر, وظلمة الكفر, وظلمة النفاق, وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها, وبعد ذلك ظلمة النار [وبئس القرار]. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) فلهذا قال تعالى [عنهم]: { صُمٌّ } أي: عن سماع الخير، { بُكْمٌ } [أي]: عن النطق به، { عُمْيٌ } عن رؤية الحق، { فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه, فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال, فإنه لا يعقل, وهو أقرب رجوعا منهم. أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) ثم قال تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ } يعني: أو مثلهم كصيب، أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب, أي: ينزل بكثرة، { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمات المطر، { وَرَعْدٌ } وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، { وَبَرْقٌ } وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع السحاب. يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ } البرق في تلك الظلمات { مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي: وقفوا. فهكذا حال المنافقين, إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده, جعلوا أصابعهم في آذانهم, وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده, فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم, ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد, ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت, فهذا تمكن له السلامة. وأما المنافقون فأنى لهم السلامة, وهو تعالى محيط بهم, قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه, بل يحفظ عليهم أعمالهم, ويجازيهم عليها أتم الجزاء. ولما كانوا مبتلين بالصمم, والبكم, والعمى المعنوي, ومسدودة عليهم طرق الإيمان، قال تعالى: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أي: الحسية, ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية, ليحذروا, فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم، { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فلا يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض. وفي هذه الآية وما أشبهها, رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى, لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله: { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) هذا أمر عام لكل الناس, بأمر عام, وهو العبادة الجامعة, لامتثال أوامر الله, واجتناب نواهيه, وتصديق خبره, فأمرهم تعالى بما خلقهم له، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (22) ثم استدل على وجوب عبادته وحده, بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم, فخلقكم بعد العدم, وخلق الذين من قبلكم, وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة, فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها, وتنتفعون بالأبنية, والزراعة, والحراثة, والسلوك من محل إلى محل, وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم, وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم, كالشمس, والقمر, والنجوم. { وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } والسماء: [هو] كل ما علا فوقك فهو سماء, ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا: السحاب، فأنزل منه تعالى ماء، { فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ } كالحبوب, والثمار, من نخيل, وفواكه, [وزروع] وغيرها { رِزْقًا لَكُمْ } به ترتزقون, وتقوتون وتعيشون وتفكهون. { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } أي: نظراء وأشباها من المخلوقين, فتعبدونهم كما تعبدون الله, وتحبونهم كما تحبون الله, وهم مثلكم, مخلوقون, مرزوقون مدبرون, لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم ولا يضرون، { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أن الله ليس له شريك, ولا نظير, لا في الخلق, والرزق, والتدبير, ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب, وأسفه السفه. وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده, والنهي عن عبادة ما سواه, وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته, وبطلان عبادة من سواه, وهو [ذكر] توحيد الربوبية, المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك, فكذلك فليكن إقراره بأن [الله] لا شريك له في العبادة, وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطلان الشرك. وقوله تعالى: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يحتمل أن المعنى: أنكم إذا عبدتم الله وحده, اتقيتم بذلك سخطه وعذابه, لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى: أنكم إذا عبدتم الله, صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى, وكلا المعنيين صحيح, وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة, كان من المتقين، ومن كان من المتقين, حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه. وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصحة ما جاء به، فقال: { وإن كنتم } معشر المعاندين للرسول, الرادين دعوته, الزاعمين كذبه في شك واشتباه, مما نزلنا على عبدنا, هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم, ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم, لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله, وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون, فأتوا بسورة من مثله, واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم, فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة, والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله, فهو كما زعمتم, وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز, ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى, ودليل واضح [جلي] على صدقه وصدق ما جاء به, فيتعين عليكم اتباعه, واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة], أن كانت وقودها الناس والحجارة, ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب, وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله, بعد ما تبين لكم أنه رسول الله. وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي, وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } وكيف يقدر المخلوق من تراب, أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكلام ككلام الكامل, الذي له الكمال المطلق, والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان, ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام, إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء, ظهر له الفرق العظيم. وفي قوله: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } إلى آخره, دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة: [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق. وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه, فهذا لا يمكن رجوعه, لأنه ترك الحق بعد ما تبين له, لم يتركه عن جهل, فلا حيلة فيه. وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق, بل هو معرض غير مجتهد في طلبه, فهذا في الغالب أنه لا يوفق. وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم, دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم, قيامه بالعبودية, التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين. كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } وفي مقام الإنزال، فقال: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ } وفي قوله: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ونحوها من الآيات, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضا, أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار, لأنه قال: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها, لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة. وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه, وهو الكفر, وأنواع المعاصي على اختلافها فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصحة ما جاء به، فقال: { وإن كنتم } معشر المعاندين للرسول, الرادين دعوته, الزاعمين كذبه في شك واشتباه, مما نزلنا على عبدنا, هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم, ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم, لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله, وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون, فأتوا بسورة من مثله, واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم, فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة, والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله, فهو كما زعمتم, وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز, ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى, ودليل واضح [جلي] على صدقه وصدق ما جاء به, فيتعين عليكم اتباعه, واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة], أن كانت وقودها الناس والحجارة, ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب, وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله, بعد ما تبين لكم أنه رسول الله. وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي, وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } وكيف يقدر المخلوق من تراب, أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكلام ككلام الكامل, الذي له الكمال المطلق, والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان, ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام, إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء, ظهر له الفرق العظيم. وفي قوله: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } إلى آخره, دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة: [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق. وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه, فهذا لا يمكن رجوعه, لأنه ترك الحق بعد ما تبين له, لم يتركه عن جهل, فلا حيلة فيه. وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق, بل هو معرض غير مجتهد في طلبه, فهذا في الغالب أنه لا يوفق. وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم, دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم, قيامه بالعبودية, التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين. كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } وفي مقام الإنزال، فقال: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ } وفي قوله: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ونحوها من الآيات, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضا, أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار, لأنه قال: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها, لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة. وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه, وهو الكفر, وأنواع المعاصي على اختلافها
| ||||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 10:33 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة Re: تفسير سورة البقرة (السعدى) بواسطة دكتور كمال سيد » الأربعاء أغسطس 07, 2013 8:48 am وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) لما ذكر جزاء الكافرين, ذكر جزاء المؤمنين, أهل الأعمال الصالحات, على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب, ليكون العبد راغبا راهبا, خائفا راجيا فقال: { وَبَشِّرِ } أي: [يا أيها الرسول ومن قام مقامه] { الَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بجوارحهم, فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة. ووصفت أعمال الخير بالصالحات, لأن بها تصلح أحوال العبد, وأمور دينه ودنياه, وحياته الدنيوية والأخروية, ويزول بها عنه فساد الأحوال, فيكون بذلك من الصالحين, الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته. فبشرهم { أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ } أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة, والثمار الأنيقة, والظل المديد, [والأغصان والأفنان وبذلك] صارت جنة يجتن بها داخلها, وينعم فيها ساكنها. { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } أي: أنهار الماء, واللبن, والعسل, والخمر، يفجرونها كيف شاءوا, ويصرفونها أين أرادوا, وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار. { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ } أي: هذا من جنسه, وعلى وصفه, كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة, وليس لهم وقت خال من اللذة, فهم دائما متلذذون بأكلها. وقوله: { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قيل: متشابها في الاسم, مختلف الطعوم وقيل: متشابها في اللون, مختلفا في الاسم، وقيل: يشبه بعضه بعضا, في الحسن, واللذة, والفكاهة, ولعل هذا الصحيح ثم لما ذكر مسكنهم, وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم, ذكر أزواجهم, فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه, وأوضحه فقال: { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } فلم يقل " مطهرة من العيب الفلاني " ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق, مطهرات الخلق, مطهرات اللسان, مطهرات الأبصار، فأخلاقهن, أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن, وحسن التبعل, والأدب القولي والفعلي, ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني, والبول والغائط, والمخاط والبصاق, والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضا, بكمال الجمال, فليس فيهن عيب, ولا دمامة خلق, بل هن خيرات حسان, مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن, وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح. ففي هذه الآية الكريمة, ذكر المبشِّر والمبشَّر, والمبشَّرُ به, والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك, هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة, إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة, على يد أفضل الخلق, بأفضل الأسباب. وفيه استحباب بشارة المؤمنين, وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها [وثمراتها], فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان, توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) يقول تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا } أي: أيَّ مثل كان { بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } لاشتمال الأمثال على الحكمة, وإيضاح الحق, والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا, جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك. فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } فيتفهمونها، ويتفكرون فيها. فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإلا علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة. { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا } فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ولهذا قال: { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية. قال تعالى: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة [وضلالة] وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة [ورحمة] وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده، وانفرد بالهداية والإضلال. ثم ذكر حكمته في إضلال من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال: { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } أي: الخارجين عن طاعة الله; المعاندين لرسل الله; الذين صار الفسق وصفهم; فلا يبغون به بدلا، فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى، كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة. والفسق نوعان: نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان; كالمذكور في هذه الآية ونحوها، ونوع غير مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } [الآية]. الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) ثم وصف الفاسقين فقال: { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ } وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق; بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه; وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق. { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب; وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها. فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق، وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون، فقطعوها، ونبذوها وراء ظهورهم; معتاضين عنها بالفسق والقطيعة; والعمل بالمعاصي; وهو: الإفساد في الأرض. فـ { فَأُولَئِكَ } أي: من هذه صفته { هُمُ الْخَاسِرُونَ } في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم; لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم; ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان; فمن لا إيمان له لا عمل له; وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا; وقد يكون معصية; وقد يكون تفريطا في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى: { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } فهذا عام لكل مخلوق; إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح; والتواصي بالحق; والتواصي بالصبر; وحقيقة فوات الخير; الذي [كان] العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه. كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي: كيف يحصل منكم الكفر بالله; الذي خلقكم من العدم; وأنعم عليكم بأصناف النعم; ثم يميتكم عند استكمال آجالكم; ويجازيكم في القبور; ثم يحييكم بعد البعث والنشور; ثم إليه ترجعون; فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه; وتدبيره; وبره; وتحت أوامره الدينية; ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي; أفيليق بكم أن تكفروا به; وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة ؟ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه; وترجوا ثوابه. هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } أي: خلق لكم, برا بكم ورحمة, جميع ما على الأرض, للانتفاع والاستمتاع والاعتبار. وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة, لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث, فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى الآية, ومعرفة المقصود منها, وأنه خلقها لنفعنا, فما فيه ضرر, فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته, منعنا من الخبائث, تنزيها لنا. وقوله: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } { اسْتَوَى } ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها, الكمال والتمام, كما في قوله عن موسى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى } وتارة تكون بمعنى " علا " و " ارتفع " وذلك إذا عديت بـ " على " كما في قوله تعالى: { ثم استوى على العرش } { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } وتارة تكون بمعنى " قصد " كما إذا عديت بـ " إلى " كما في هذه الآية، أي: لما خلق تعالى الأرض, قصد إلى خلق السماوات { فسواهن سبع سماوات } فخلقها وأحكمها, وأتقنها, { وهو بكل شيء عليم } فـ { يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها } و { يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } يعلم السر وأخفى. وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية, وكما في قوله تعالى: { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } لأن خلقه للمخلوقات, أدل دليل على علمه, وحكمته, وقدرته.
| ||||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 10:40 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة Re: تفسير سورة البقرة بواسطة دكتور كمال سيد » الأربعاء أغسطس 07, 2013 10:39 am وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أن الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك, وأن الله مستخلفه في الأرض. فقالت الملائكة عليهم السلام: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } بالمعاصي { وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } [و]هذا تخصيص بعد تعميم, لبيان [شدة] مفسدة القتل، وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك, فنزهوا الباري عن ذلك, وعظموه, وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا: { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } أي: ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك، { وَنُقَدِّسُ لَكَ } يحتمل أن معناها: ونقدسك, فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص، ويحتمل أن يكون: ونقدس لك أنفسنا، أي: نطهرها بالأخلاق الجميلة, كمحبة الله وخشيته وتعظيمه, ونطهرها من الأخلاق الرذيلة. قال الله تعالى للملائكة: { إِنِّي أَعْلَمُ } من هذا الخليفة { مَا لَا تَعْلَمُونَ } ؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم, وأنا عالم بالظواهر والسرائر, وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة, أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك, إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين, والشهداء والصالحين, ولتظهر آياته للخلق, ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة, كالجهاد وغيره, وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان, وليتبين عدوه من وليه, وحزبه من حربه, وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه, واتصف به, فهذه حكم عظيمة, يكفي بعضها في ذلك. وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام, فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض, أراد الله تعالى, أن يبين لهم من فضل آدم, ما يعرفون به فضله, وكمال حكمة الله وعلمه فـ { عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا } أي: أسماء الأشياء, وما هو مسمى بها، فعلمه الاسم والمسمى, أي: الألفاظ والمعاني, حتى المكبر من الأسماء كالقصعة، والمصغر كالقصيعة. { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } أي: عرض المسميات { عَلَى الْمَلَائِكَةِ } امتحانا لهم, هل يعرفونها أم لا؟. { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } في قولكم وظنكم, أنكم أفضل من هذا الخليفة. قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) { قَالُوا سُبْحَانَكَ } أي: ننزهك من الاعتراض منا عليك, ومخالفة أمرك. { لَا عِلْمَ لَنَا } بوجه من الوجوه { إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا } إياه, فضلا منك وجودا، { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } العليم الذي أحاط علما بكل شيء, فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض, ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. الحكيم: من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق, ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئا إلا لحكمة: ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة: وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا, واعترفوا بعلم الله وحكمته, وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم; وتعليمه إياهم ما لا يعلمون. قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) فحينئذ قال الله: { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } أي: أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة; فعجزوا عنها، { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } تبين للملائكة فضل آدم عليهم; وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة، { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وهو ما غاب عنا; فلم نشاهده، فإذا كان عالما بالغيب; فالشهادة من باب أولى، { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } أي: تظهرون { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم; إكراما له وتعظيما; وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله; وبادروا كلهم بالسجود، { إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى } امتنع عن السجود; واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، قال: { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } وهذا الإباء منه والاستكبار; نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه; فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره. وفي هذه الآيات من العبر والآيات; إثبات الكلام لله تعالى; وأنه لم يزل متكلما; يقول ما شاء; ويتكلم بما شاء; وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالوجب عليه; التسليم; واتهام عقله; والإقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة; وإحسانه بهم; بتعليمهم ما جهلوا; وتنبيههم على ما لم يعلموه. وفيه فضيلة العلم من وجوه: منها: أن الله تعرف لملائكته; بعلمه وحكمته ، ومنها: أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم; وأنه أفضل صفة تكون في العبد، ومنها: أن الله أمرهم بالسجود لآدم; إكراما له; لما بان فضل علمه، ومنها: أن الامتحان للغير; إذا عجزوا عما امتحنوا به; ثم عرفه صاحب الفضيلة; فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها: الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن; وبيان فضل آدم; وأفضال الله عليه; وعداوة إبليس له; إلى غير ذلك من العبر. وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) لما خلق الله آدم وفضله; أتم نعمته عليه; بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها; ويستأنس بها; وأمرهما بسكنى الجنة; والأكل منها رغدا; أي: واسعا هنيئا، { حَيْثُ شِئْتُمَا } أي: من أصناف الثمار والفواكه; وقال الله له: { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } نوع من أنواع شجر الجنة; الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء [أو لحكمة غير معلومة لنا] { فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } دل على أن النهي للتحريم; لأنه رتب عليه الظلم. فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه; حتى أزلهما، أي: حملهما على الزلل بتزيينه. { وَقَاسَمَهُمَا } بالله { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } فاغترا به وأطاعاه; فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد; وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة. { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } أي: آدم وذريته; أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو; يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق; وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا, تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض، فقال: { وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } أي: مسكن وقرار، { وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } انقضاء آجالكم, ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها, وخلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة, مؤقتة عارضة, ليست مسكنا حقيقيا, وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار, ولا تعمر للاستقرار. فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) { فَتَلَقَّى آدَمُ } أي: تلقف وتلقن, وألهمه الله { مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ } وهي قوله: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا } الآية، فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته { فَتَابَ } الله { عَلَيْهِ } ورحمه { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ } لمن تاب إليه وأناب. وتوبته نوعان: توفيقه أولا, ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيا. { الرَّحِيمِ } بعباده, ومن رحمته بهم, أن وفقهم للتوبة, وعفا عنهم وصفح.
| ||||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 10:48 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة Re: تفسير سورة البقرة بواسطة دكتور كمال سيد » الجمعة أغسطس 23, 2013 5:51 am قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ تفسير الآيتين 38 و 39 :ـ كرر الإهباط, ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } أي: أيَّ وقت وزمان جاءكم مني -يا معشر الثقلين- هدى, أي: رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني, ويدنيكم مني; ويدنيكم من رضائي، { فمن تبع هداي } منكم, بأن آمن برسلي وكتبي, واهتدى بهم, وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب, والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، { فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } وفي الآية الأخرى: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء: نفي الخوف والحزن والفرق بينهما, أن المكروه إن كان قد مضى, أحدث الحزن, وإن كان منتظرا, أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا, حصل ضدهما, وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه, حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه, من الخوف, والحزن, والضلال, والشقاء، فحصل له المرغوب, واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه, فكفر به, وكذب بآياته. فـ { أولئك أصحاب النار } أي: الملازمون لها, ملازمة الصاحب لصاحبه, والغريم لغريمه، { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون. وفي هذه الآيات وما أشبهها, انقسام الخلق من الجن والإنس, إلى أهل السعادة, وأهل الشقاوة, وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب, كما أنهم مثلهم, في الأمر والنهي. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } المراد بإسرائيل: يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فرق بني إسرائيل, الذين بالمدينة وما حولها, ويدخل فيهم من أتى من بعدهم, فأمرهم بأمر عام، فقال: { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافا, وباللسان ثناء, وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه. { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } وهو ما عهده إليهم من الإيمان به, وبرسله وإقامة شرعه. { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } وهو المجازاة على ذلك. والمراد بذلك: ما ذكره الله في قوله: { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ [وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي] } إلى قوله: { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده, وهو الرهبة منه تعالى, وخشيته وحده, فإن مَنْ خشِيَه أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه. وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ثم أمرهم بالأمر الخاص, الذي لا يتم إيمانهم, ولا يصح إلا به فقال: { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ } وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالإيمان به, واتباعه, ويستلزم ذلك, الإيمان بمن أنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم به، فقال: { مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } أي: موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب, غير مخالف لها; فلا مانع لكم من الإيمان به, لأنه جاء بما جاءت به المرسلون, فأنتم أولى من آمن به وصدق به, لكونكم أهل الكتب والعلم. وأيضا فإن في قوله: { مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به, عاد ذلك عليكم, بتكذيب ما معكم, لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم. وأيضا, فإن في الكتب التي بأيدكم, صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به, كذبتم ببعض ما أنزل إليكم, ومن كذب ببعض ما أنزل إليه, فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول, فقد كذب الرسل جميعهم. فلما أمرهم بالإيمان به, نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال: { وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } أي: بالرسول والقرآن. وفي قوله: { أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } أبلغ من قوله: { ولا تكفروا به } لأنهم إذا كانوا أول كافر به, كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به, عكس ما ينبغي منهم, وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم. ثم ذكر المانع لهم من الإيمان, وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية، فقال: { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل, التي يتوهمون انقطاعها, إن آمنوا بالله ورسوله, فاشتروها بآيات الله واستحبوها, وآثروها. { وَإِيَّايَ } أي: لا غيري { فَاتَّقُونِ } فإنكم إذا اتقيتم الله وحده, أوجبت لكم تقواه, تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل, فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ثم قال: { وَلَا تَلْبِسُوا } أي: تخلطوا { الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ } فنهاهم عن شيئين, عن خلط الحق بالباطل, وكتمان الحق؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم, تمييز الحق, وإظهار الحق, ليهتدي بذلك المهتدون, ويرجع الضالون, وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته, ليميز الحق من الباطل, ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم, فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم. ومن لبس الحق بالباطل, فلم يميز هذا من هذا, مع علمه بذلك, وكتم الحق الذي يعلمه, وأمر بإظهاره, فهو من دعاة جهنم, لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم, فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين.
| ||||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 10:51 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة Re: تفسير سورة البقرة بواسطة دكتور كمال سيد » الجمعة أغسطس 23, 2013 9:19 am وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ثم قال: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } أي: ظاهرا وباطنا { وَآتُوا الزَّكَاةَ } مستحقيها، { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } أي: صلوا مع المصلين، فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآيات الله, فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة, وبين الإخلاص للمعبود, والإحسان إلى عبيده، وبين العبادات القلبية البدنية والمالية. وقوله: { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } أي: صلوا مع المصلين, ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها، وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة لأنه عبّر عن الصلاة بالركوع، والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها. ۞ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ } أي: بالإيمان والخير { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } وأسمى العقل عقلا لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير, وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به, وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله, أو نهاه عن الشر فلم يتركه, دل على عدم عقله وجهله, خصوصا إذا كان عالما بذلك, قد قامت عليه الحجة. وهذه الآية, وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل, فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه, وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما, لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين, والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر, فليس في رتبة الأول, وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة. وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها, والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور, ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان, وتنهى عن الفحشاء والمنكر, يستعان بها على كل أمر من الأمور { وَإِنَّهَا } أي: الصلاة { لَكَبِيرَةٌ } أي: شاقة { إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع, وخشية الله, ورجاء ما عنده يوجب له فعلها, منشرحا صدره لترقبه للثواب, وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك, فإنه لا داعي له يدعوه إليها, وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ والخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته, وسكونه لله تعالى, وانكساره بين يديه, ذلا وافتقارا, وإيمانا به وبلقائه. ولهذا قال: { الَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي: يستيقنون { أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } فيجازيهم بأعمالهم { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات, ونفس عنهم الكربات, وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه, كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ تفسير الآيتين 47 و 48 :ـ ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته, وعظا لهم, وتحذيرا وحثا. وخوفهم بيوم القيامة الذي { لَا تَجْزِي } فيه، أي: لا تغني { نَفْسٌ } ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين { عَنْ نَفْسٍ } ولو كانت من العشيرة الأقربين { شَيْئًا } لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه. { وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا } أي: النفس, شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له, ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة، { وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي: فداء { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب } ولا يقبل منهم ذلك { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي: يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله: { لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } هذا في تحصيل المنافع، { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } هذا في دفع المضار, فهذا النفي للأمر المستقل به النافع. { ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض, كالعدل, أو بغيره, كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين, لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع, وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع, ويدفع المضار, فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته.
| ||||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 10:57 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة Re: تفسير سورة البقرة بواسطة دكتور كمال سيد » الجمعة أغسطس 23, 2013 1:05 pm وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل فقال: { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ } أي: من فرعون وملئه وجنوده وكانوا قبل ذلك { يَسُومُونَكُمْ } أي: يولونهم ويستعملونهم، { سُوءَ الْعَذَابِ } أي: أشده بأن كانوا { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ } خشية نموكم، { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } أي: فلا يقتلونهن، فأنتم بين قتيل ومذلل بالأعمال الشاقة، مستحيي على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه فهذا غاية الإهانة، فمن الله عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون لتقر أعينهم. { وَفِي ذَلِكم } أي: الإنجاء { بَلَاءٌ } أي: إحسان { مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره. وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ تفسير الآيات من 50 الى 55 :ـ ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه. { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما. ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله. ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } وهذا غاية الظلم والجراءة على الله وعلى رسوله، { فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ } إما الموت أو الغشية العظيمة، { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } وقوع ذلك, كل ينظر إلى صاحبه، { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ثم ذكر نعمته عليكم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الأرزاق، فقال: { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ } وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب، ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك. { وَالسَّلْوَى } طائر صغير يقال له السماني، طيب اللحم، فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي: رزقا لا يحصل نظيره لأهل المدن المترفهين, فلم يشكروا هذه النعمة, واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب. { وَمَا ظَلَمُونَا } يعني بتلك الأفعال المخالفة لأوامرنا لأن الله لا تضره معصية العاصين, كما لا تنفعه طاعات الطائعين، { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } فيعود ضرره عليهم. وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وهذا أيضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه, فأمرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا, ويحصل لهم فيها الرزق الرغد، وأن يكون دخولهم على وجه خاضعين لله فيه بالفعل, وهو دخول الباب { سجدا } أي: خاضعين ذليلين، وبالقول وهو أن يقولوا: { حِطَّةٌ } أي أن يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم إياه مغفرته. { نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } بسؤالكم المغفرة، { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } بأعمالهم, أي: جزاء عاجل وآجلا. فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم, ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا { قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } فقالوا بدل حطة: حبة في حنطة، استهانة بأمر الله, واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم, ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم، قال: { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم { رِجْزًا } أي: عذابا { مِنَ السَّمَاءِ } بسبب فسقهم وبغيهم. ۞ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ استسقى, أي: طلب لهم ماء يشربون منه. { فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ } إما حجر مخصوص معلوم عنده, وإما اسم جنس، { فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } وقبائل بني إسرائيل اثنتا عشرة قبيلة، { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ } منهم { مَشْرَبَهُمْ } أي: محلهم الذي يشربون عليه من هذه الأعين, فلا يزاحم بعضهم بعضا, بل يشربونه متهنئين لا متكدرين, ولهذا قال: { كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ } أي: الذي آتاكم من غير سعي ولا تعب، { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ } أي: تخربوا على وجه الإفساد.
| ||||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 11:14 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة Re: تفسير سورة البقرة بواسطة دكتور كمال سيد » الجمعة أغسطس 23, 2013 1:15 pm وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ أي: واذكروا, إذ قلتم لموسى, على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها، { لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ } أي: جنس من الطعام, وإن كان كما تقدم أنواعا, لكنها لا تتغير، { فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا } أي: نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه، { وَقِثَّائِهَا } وهو الخيار { وَفُومِهَا } أي: ثومها، والعدس والبصل معروف، قال لهم موسي { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى } وهو الأطعمة المذكورة، { بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } وهو المن والسلوى, فهذا غير لائق بكم، فإن هذه الأطعمة التي طلبتم, أي مصر هبطتموه وجدتموها، وأما طعامكم الذي من الله به عليكم, فهو خير الأطعمة وأشرفها, فكيف تطلبون به بدلا؟ ولما كان الذي جرى منهم فيه أكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لأوامر الله ونعمه, جازاهم من جنس عملهم فقال: { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } التي تشاهد على ظاهر أبدانهم { وَالْمَسْكَنَةُ } بقلوبهم، فلم تكن أنفسهم عزيزة, ولا لهم همم عالية, بل أنفسهم أنفس مهينة, وهممهم أردأ الهمم، { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } أي: لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا, إلا أن رجعوا بسخطه عليهم, فبئست الغنيمة غنيمتهم, وبئست الحالة حالتهم. { ذَلِكَ } الذي استحقوا به غضبه { بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } الدالات على الحق الموضحة لهم, فلما كفروا بها عاقبهم بغضبه عليهم, وبما كانوا { يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } وقوله: { بِغَيْرِ الْحَقِّ } زيادة شناعة, وإلا فمن المعلوم أن قتل النبي لا يكون بحق, لكن لئلا يظن جهلهم وعدم علمهم. { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا } بأن ارتكبوا معاصي الله { وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } على عباد الله, فإن المعاصي يجر بعضها بعضا، فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير, ثم ينشأ عنه الذنب الكبير, ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر وغير ذلك, فنسأل الله العافية من كل بلاء. واعلم أن الخطاب في هذه الآيات لأمة بني إسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزول القرآن, وهذه الأفعال المذكورة خوطبوا بها وهي فعل أسلافهم, ونسبت لهم لفوائد عديدة، منها: أنهم كانوا يتمدحون ويزكون أنفسهم, ويزعمون فضلهم على محمد ومن آمن به، فبين الله من أحوال سلفهم التي قد تقررت عندهم, ما يبين به لكل أحد [منهم] أنهم ليسوا من أهل الصبر ومكارم الأخلاق, ومعالي الأعمال، فإذا كانت هذه حالة سلفهم، مع أن المظنة أنهم أولى وأرفع حالة ممن بعدهم فكيف الظن بالمخاطبين؟". ومنها: أن نعمة الله على المتقدمين منهم, نعمة واصلة إلى المتأخرين, والنعمة على الآباء, نعمة على الأبناء، فخوطبوا بها, لأنها نعم تشملهم وتعمهم. ومنها: أن الخطاب لهم بأفعال غيرهم, مما يدل على أن الأمة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها, حتى كان متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد, وكان الحادث من بعضهم حادثا من الجميع. لأن ما يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع, وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع. ومنها: أن أفعالهم أكثرها لم ينكروها, والراضي بالمعصية شريك للعاصي، إلى غير ذلك من الحِكَم التي لا يعلمها إلا الله. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ثم قال تعالى حاكما بين الفرق الكتابية: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } وهذا الحكم على أهل الكتاب خاصة, لأن الصابئين, الصحيح أنهم من جملة فرق النصارى، فأخبر الله أن المؤمنين من هذه الأمة, واليهود والنصارى, والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر, وصدقوا رسلهم, فإن لهم الأجر العظيم والأمن, ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأما من كفر منهم بالله ورسله واليوم الآخر, فهو بضد هذه الحال, فعليه الخوف والحزن. والصحيح أن هذا الحكم بين هذه الطوائف, من حيث هم, لا بالنسبة إلى الإيمان بمحمد, فإن هذا إخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وأن هذا مضمون أحوالهم، وهذه طريقة القرآن إذا وقع في بعض النفوس عند سياق الآيات بعض الأوهام, فلا بد أن تجد ما يزيل ذلك الوهم, لأنه تنزيل مَنْ يعلم الأشياء قبل وجودها, ومَنْ رحمته وسعت كل شيء. وذلك والله أعلم - أنه لما ذكر بني إسرائيل وذمهم, وذكر معاصيهم وقبائحهم, ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه، ولما كان أيضا ذكر بني إسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم. ذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها, ليتضح الحق, ويزول التوهم والإشكال، فسبحان من أودع في كتابه ما يبهر عقول العالمين. وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أي: واذكروا { إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } وهو العهد الثقيل المؤكد بالتخويف لهم, برفع الطور فوقهم وقيل لهم: { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ } من التوراة { بِقُوَّةٍ } أي: بجد واجتهاد, وصبر على أوامر الله، { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ } أي: ما في كتابكم بأن تتلوه وتتعلموه، { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } عذاب الله وسخطه, أو لتكونوا من أهل التقوى. ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ فبعد هذا التأكيد البليغ { تَوَلَّيْتُمْ } وأعرضتم, وكان ذلك موجبا لأن يحل بكم أعظم العقوبات، ولكن { لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
| ||||||||||||||||||
الجمعة 22 يناير 2016, 11:16 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||
كبير المشرفين
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة تفسير سورة البقرة Re: تفسير سورة البقرة بواسطة دكتور كمال سيد » الجمعة أغسطس 23, 2013 1:52 pm وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ أي: ولقد تقرر عندكم حالة { الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ } وهم الذين ذكر الله قصتهم مبسوطة في سورة الأعراف في قوله: { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ } الآيات. فأوجب لهم هذا الذنب العظيم, أن غضب الله عليهم وجعلهم { قِرَدَةً خَاسِئِينَ } حقيرين ذليلين. فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وجعل الله هذه العقوبة { نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } أي: لمن حضرها من الأمم, وبلغه خبرها, ممن هو في وقتهم. { وَمَا خَلْفَهَا } أي: من بعدهم, فتقوم على العباد حجة الله, وليرتدعوا عن معاصيه, ولكنها لا تكون موعظة نافعة إلا للمتقين، وأما من عداهم فلا ينتفعون بالآيات. وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ أي: واذكروا ما جرى لكم مع موسى, حين قتلتم قتيلا, وادارأتم فيه, أي: تدافعتم واختلفتم في قاتله, حتى تفاقم الأمر بينكم وكاد - لولا تبيين الله لكم - يحدث بينكم شر كبير، فقال لكم موسى في تبيين القاتل: اذبحوا بقرة، وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره, وعدم الاعتراض عليه، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض, فقالوا: { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } فقال نبي الله: { أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } فإن الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه, وهو الذي يستهزئ بالناس، وأما العاقل فيرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل, استهزاءه بمن هو آدمي مثله، وإن كان قد فضل عليه, فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه, والرحمة لعباده. قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ فلما قال لهم موسى ذلك, علموا أن ذلك صدق فقالوا: { ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ } أي: ما سنها؟ { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ } أي: كبيرة { وَلَا بِكْرٌ } أي: صغيرة { عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ } واتركوا التشديد والتعنت. قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا } أي: شديد { تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } من حسنها. قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا } فلم نهتد إلى ما تريد { وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ } أي: مذللة بالعمل، { تُثِيرُ الْأَرْضَ } بالحراثة { وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ } أي: ليست بساقية، { مُسَلَّمَةٌ } من العيوب أو من العمل { لَا شِيَةَ فِيهَا } أي: لا لون فيها غير لونها الموصوف المتقدم. { قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ } أي: بالبيان الواضح، وهذا من جهلهم, وإلا فقد جاءهم بالحق أول مرة، فلو أنهم اعترضوا أي: بقرة لحصل المقصود, ولكنهم شددوا بكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم, ولو لم يقولوا " إن شاء الله " لم يهتدوا أيضا إليها، { فَذَبَحُوهَا } أي: البقرة التي وصفت بتلك الصفات، { وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } بسبب التعنت الذي جرى منهم. وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فلما ذبحوها, قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضها, أي: بعضو منها, إما معين, أو أي عضو منها, فليس في تعيينه فائدة, فضربوه ببعضها فأحياه الله, وأخرج ما كانوا يكتمون, فأخبر بقاتله، وكان في إحيائه وهم يشاهدون ما يدل على إحياء الله الموتى، { لعلكم تعقلون } فتنزجرون عن ما يضركم.
| ||||||||||||||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|